المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: مع التطورات الأخيرة في سوريا، ورغم أنه قد تكون هناك تغييرات في المناطق "التكتيكية" للمقاومة الإسلامية، إلا أنه لن يكون هناك اضطراب أو تغيير في استراتيجياتها الكبرى وتوجهاتها المعادية للولايات المتحدة والصهيونية.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
تدور حالياً مرحلة جديدة في تاريخ سوريا المعاصر، إلا إنه لا يمكن الحديث عن مستقبلها السياسي بكل طمأنينة ويقين.
هناك بعض النقاط التي تستحق الدراسة عند تحليل التطورات الأخيرة في سوريا وفهمها بدقة، بما في ذلك “آفاق المقاومة الإسلامية” في المنطقة والعالم. ونظراً لأهمية التطورات القادمة، نشير إلى أهم تلك النقاط:
1 ـ هناك ثلاث فئات من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، كانت دخيلة في ظهور الوضع الحالي في سوريا وسقوط بشار الأسد من هرم السلطة، وكان دور المتغيرات الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتركيا، “حاسما”.
يمكن أيضاً تحليل العوامل الداخلية في هذا الإطار، لكن ما هو واضح أن الوضع الحالي في سوريا هو نتيجة قرار “أمريكي صهيوني” دقيق ومعقد بالتعاون مع “تركيا”.
2 ـ يصر البعض على أن سياسة بشار الأسد الداخلية وكذلك المشاكل الاقتصادية هي السبب الرئيسي في سقوطه من هرم السلطة. لا شك في أن بشار الأسد واجه نقاط ضعف وإهمال في مجال السياسة الداخلية، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى المشاكل ونوع الحكم، فإن جزءاً كبيراً من مشاكل سوريا الداخلية، التي كانت تزداد يوم بعد يوم، كانت متأثرة بـ “عوامل خارجية”، وخاصة “العقوبات الأمريكية”.
على الرغم من التحديات الداخلية وأهميتها، إلا أن “العامل الخارجي” لو لم يكن وراء التطورات الأخيرة في سوريا، لما كان انهيار النظام السياسي في البلاد بهذه السهولة في الظروف الحالية.
كان “تدهور الوضع الاقتصادي” في سوريا في عهد بشار الأسد يرجع بالأساس إلى “العقوبات” الدولية والإقليمية التي قادتها الولايات المتحدة، والتي أضعفت الاقتصاد السوري بشدة، خاصة في السنوات العشر الماضية، وأثرت كذلك على بقية النواحي الاجتماعية والسياسية والعسكرية و…..
اتسعت المشاكل الاقتصادية، خاصة في السنوات الأخيرة وفي أعقاب قانون “قيصر” الذي أقرته الولايات المتحدة، بحيث أدت إلى توقف عملية إعادة بناء الجيش في مجالات البنية التحتية والمعدات والرواتب والمزايا وما إلى ذلك، والتي تعرضت لأضرار مختلفة خلال الحرب ضد تنظيم داعش. وهذا بدوره وفّر الأرضية لإضعاف حافز الدفاع والأمل لدى افراد الجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن اتساع شبكة الاختراق والتجسس، وجمع المعلومات، وازدياد تنفيذ العمليات النفسية بنجاح، والحرب المعرفية، والانقسامات والخلافات الداخلية، وغيرها. بحيث كبلت الجيش في مواجهة تقدم هيئة تحرير الشام.
3 ـ تركيا هي أحد “العوامل” الرئيسية للتطورات الأخيرة في سوريا، وبالطبع يجب تحليل دورها في ظل السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلف الناتو. على الرغم من أنها واحدة من الرابحين الرئيسيين من سقوط بشار الأسد على المدى القصير، إلا أن أنقرة لن تكون قادرة أبداً على تشكيل حكومة متحالفة معها في سوريا. وحتى لو حاولت هيئة تحرير الشام إقامة حكومة مستقرة في سوريا، وهو أمر مستحيل، فإنها ستصبح تهديداً كبيراً على المدى المتوسط لتركيا التي تشترك في حدود حوالي 830 كيلومتراً مع سوريا.
من المؤكد أن الدور المزدوج لتركيا كمحرك في التطورات الأخيرة في سوريا سيضع تدريجياً المزيد من الضغط على أنقرة.
4 ـ مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الظروف الميدانية وغير الميدانية، وكثرة الجماعات المسلحة الداخلية، والجهات الفاعلة المهتمة ذات الأهداف المشتركة والمتضاربة في بعض الأحيان، ومصالح والأولويات الاستراتيجية لهؤلاء، وحالة البيئة المحيطة، وخاصة رغبة الكيان الصهيوني التوسعية، لا يمكن توقع بيئة مستقرة وآمنة لهذا البلد على المدى القصير.
في غضون ذلك، وفي حين أن تحالف المعارضة والمسلحين التي تشكل مجموعة صغيرة وكبيرة ومتنوعة من الجماعات المسلحة ذات الأيديولوجيات المختلفة (البالغة 37 مجموعة)، فإن طبيعة النظام السياسي المستقبلي والقوة الرئيسية في السلطة ليست واضحة لأحد. ويبدو أن سوريا ستدخل مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار لمدة غير محددة.
5 ـ المجموعات والعناصر التي هي المحرك الرئيسي للتطورات في سوريا اليوم، في أكثر الحالات تفاؤلاً، تلعب دور “الأداة والمنفذ” ولن يكون لها مكان آمن في مستقبل سوريا، وسيتم حذفها أو استبعادها تدريجياً من قبل “المخططين” الرئيسيين لأنها لا تتناسب مع الأفق والرؤية التي رسمها المخططون الرئيسيون لمستقبل سوريا.
هذا الأفق الذي يمكن مشاهدة ارضيات تجليه حالياً في سوريا ومع الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني، سيواجه بالتأكيد في المستقبل رد فعل المجتمع، وخاصة الشباب السوري، وسيضعهم في مواجهة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وكما أكد سماحة المرشد الأعلى في خطابه الأخير، فإن الشباب السوري الغيور سينتفض بالتأكيد وبالصمود والمقاومة، سيقومون بدورهم اللائق. بالطبع قد يستغرق هذا وقتاً في سوريا، لكنه مؤكد.
6 ـ إن انهيار نظام بشار الأسد لا يعني أبداً إضعاف محور المقاومة. فالمقاومة الإسلامية ليست أرضاً تنهار أو تهزم بالقضاء على جزء منها أو احتلالها واستبعادها من هندسة القوة في المنطقة والعالم.
المقاومة، وهي في الأساس فكر ومدرسة، تشكلت في أحلك الأوقات بموارد قليلة جداً ضد القوى العظمى المهيمنة في العالم، ونمت في الصعاب وفي مواجهة الأعداء الأقوياء، وتواصل طريقها بقوة.
اعتقاد الأوساط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي أن سقوط بشار الأسد سيؤدي إلى تراجع أو إضعاف المقاومة الإسلامية، هو نتيجة “مفاهيمهم الخاطئة” عن المقاومة.
إن التقييم الدقيق للتطورات التي تواجه المقاومة الإسلامية يدل على أن مستقبلها مشرق. مع التطورات الأخيرة في سوريا، ورغم أنه قد تكون هناك تغييرات في الاقسام “التكتيكية” للمقاومة الإسلامية، إلا أنه لن يكون هناك أي اضطراب أو تغيير في استراتيجياتها الكبرى وتوجهاتها المعادية للولايات المتحدة والصهيونية.
0 تعليق