المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال الملحق الثقافي ورئيس بيت الثقافة الإيراني في باكستان: بالإضافة إلى متابعة باكستان لعلاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، فإن العلاقات مع دول الخليج الفارسي، وخاصة السعودية، لها أهمية كبيرة للاستقرار الاقتصادي والدبلوماسية الإقليمية لإسلام آباد
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية حول تفاعلات باكستان الاستراتيجية مع دول المنطقة، وخاصة دول الخليج الفارسي، قال مهدي طاهري: باكستان هي واحدة من اللاعبين المهمين في غرب وجنوب آسيا، وهي الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظاً بالسكان بعد إندونيسيا والوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في العالم الإسلامي. من هذا المنطلق، يتمتع هذا البلد بمكانة خاصة لدى الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي.
وأضاف: العلاقات العسكرية الوثيقة والترابط الاقتصادي والتعاون الدبلوماسي هي السمات الرئيسية لعلاقات باكستان مع دول الخليج الفارسي وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فقد دعمت المملكة العربية السعودية باكستان في الأزمات الاقتصادية على مدى العقود الماضية وكانت أيضاً مورداً للنفط لهذا البلد. كما استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة في مشاريع باكستان وساهمت في تنميته الاقتصادية. كذلك تزود قطر باكستان بالغاز الطبيعي المسال، في حين أن سلطنة عمان مهمة استراتيجياً للحكومة الباكستانية بسبب قربها الجغرافي. كما أن التحويلات المالية التي يقوم بها ملايين العمال الباكستانيين في دول الخليج الفارسي تعزز بشكل كبير الاقتصاد الباكستاني.
وصرح الخبير في الشؤون الإقليمية: وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي الباكستاني، يقوم الملايين من مواطني هذا البلد بإرسال قرابة 24 مليار دولار من العملات الأجنبية إلى باكستان سنوياً، لدرجة أن العملة الأجنبية التي يرسلها هؤلاء الأشخاص تعتبر مهمة جداً لاحتياطيات باكستان من النقد الأجنبي. كما تؤكد باكستان على الحفاظ على علاقات متوازنة بين دول الخليج الفارسي وإيران وتدعم الحل السلمي للنزاعات في المنطقة.
وأكد أن دول الخليج الفارسي قامت أيضاً باستثمارات كبيرة في باكستان وقدمت الكثير من المساعدات الاقتصادية له خلال الأزمات المالية. بالإضافة إلى السعي إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، فإن العلاقات مع دول الخليج الفارسي لها أهمية كبيرة للاستقرار الاقتصادي والدبلوماسية الإقليمية لإسلام أباد.
وفيما يتعلق بالنهج الاستراتيجي الباكستاني تجاه السعودية، قال الخبير في الشؤون الإقليمية: تركز سياسة باكستان الاستراتيجية تجاه السعودية على تعميق شراكة طويلة الأمد في العلاقات في المجالات الاقتصادية والدفاعية والثقافية. وتتعزز هذه العلاقة من خلال القيم الدينية المشتركة والعلاقة الاقتصادية القوية، حيث يرسل حوالي 2.5 مليون عامل باكستاني في السعودية أرباحهم من النقد الأجنبي إلى باكستان. كما توفر باكستان القوى العاملة الماهرة والشابة التي تحتاجها القطاعات المتنامية في السعودية، وخاصة المشاريع الطموحة، فإن استثمارات المملكة العربية السعودية في قطاعات مثل مشاريع الطاقة والتعدين والبنية التحتية في باكستان تلعب أيضاً دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية لهذا البلد. من ناحية أخرى، تحتاج السعودية إلى باكستان في المجالين الأمني والعسكري.
وفي إشارة إلى رؤية المملكة العربية السعودية 2030، قال طاهري: ستخلق هذه الرؤية وهذا البرنامج فرصة لباكستان من خلال المواءمة لتدريب قوتها العاملة وتسهيل الاستثمار. وتؤكد التبادلات والمبادرات رفيعة المستوى الأخيرة، مثل مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين، على الالتزام باستقطاب الاستثمارات السعودية، التي تعد بالمنافع المتبادلة والتقدم الاقتصادي وتعزز تطلعات البلدين لتكونا قوتين إقليميتين. لذلك، فإن نظرة باكستان إلى الدول العربية في الخليج الفارسي، وخاصة السعودية، هي أساساً من منظور اقتصادي ومالي حتى تتمكن من الحد من مشاكلها الاقتصادية من خلال مساعدات واستثمارات هذه الدول. وفي الوقت نفسه، تقلل من حساسية الولايات المتحدة تجاه التواجد الصيني لديها من خلال جذب الاستثمارات من الدول العربية.
وحول نظرة السعودية إلى باكستان، قال الخبير في الشؤون الإقليمية: ترسم السعودية آفاقا كبيرة في تعزيز علاقاتها مع باكستان، خاصة وأن البلدين يعملان على تعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي. ومن هذا المنظور نشهد تنقل مختلف الوفود بين البلدين طوال العام. كما استثمرت السعودية في مختلف القطاعات الاقتصادية في باكستان لتنويع اقتصادها. ومن بينها مشروع بقيمة 10 مليارات دولار لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في ميناء جوادر، مما قد يحسّن وضع السعودية في لوجستيات الطاقة الإقليمية. وفي الوقت نفسه، فإن مشاركة السعودية في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) تعزز العلاقات الاقتصادية وتستفيد من موقع باكستان الاستراتيجي لطرق الطاقة الآمنة إلى الصين وخارجها. كما أن الدعم السعودي للحجاج الباكستانيين لأداء فريضة الحج، والذي من المتوقع أن يصل إلى 180 ألف حاج في عام 2025، مهم أيضاً.
وعن حول التقارب الثقافي والسياسي للبلدين، قال الملحق الثقافي ورئيس بيت الثقافة الإيراني في باكستان: إن وجود الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة عزز من أهمية السعودية لدى باكستان، حيث يسافر عديد الحجاج الباكستانيين إلى هذا البلد كل عام للحج. باكستان هي الدولة الوحيدة التي تم تشكيلها على أساس الإسلام، ومن هذا المنطلق، فإن العلاقات مع الدول الإسلامية، وخاصة السعودية، هي أولوية لهذا البلد. والواقع أن غالبية السُنّة في البلاد، الذين يشكلون نحو 80% من سكان باكستان، يكنّون احتراماً خاصاً للزعماء الدينيين في السعودية. وبناء على ذلك، قامت السعودية بأنشطة دينية مختلفة، بما في ذلك بناء المساجد، وإنشاء الجامعات والمدارس الدينية في مختلف مدن باكستان، وقدمت منحاً للمؤسسات الدينية في هذا البلد. في الآونة الأخيرة، وصل وفد تجاري سعودي كبير إلى إسلام آباد، حيث إلى جانب استثمار ملياري دولار، كان بناء 5000 مدرسة برأسمال وقدره 14 مليون دولار من بين 25 عقداً تم توقيعها. ومن المثير للاهتمام أن رمز العاصمة الباكستانية هو مسجد فيصل الذي بناه الملك فيصل بن عبد العزيز في إسلام آباد ويعد من أكبر المساجد في العالم.
وأشار طاهري: نقطة أخرى هي أن القادة والسياسيين الباكستانيين، بمن فيهم نواز شريف وبينظير بوتو، انتقلوا إلى السعودية والإمارات بعد إزاحتهم من السلطة. وهذا يدل أيضاً على العلاقات الوثيقة للعائلات الباكستانية المهمة مع قادة هذه الدول.
وتابع الخبير: بالإضافة إلى التعاون المكثف المذكور أعلاه، فإن واحدة من أكثر القضايا تحدياً بين البلدين هي قضية كشمير. في السنوات الأخيرة، من خلال تقربها من الهند والوعد باستثمار عشرات المليارات من الدولارات في هذا البلد، لم تدعم السعودية بشكل جدي موقف باكستان من قضية كشمير، مما أثار حفيظة إسلام آباد تجاه الرياض.
0 تعليق