المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: هناك أهداف وأسباب مهمة وراء الزيارة الأخيرة لـ "عاموس هوكشتاين"، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى لبنان. بناء على التفاصيل المسرّبة عن محادثات هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين، ومع الأخذ في الاعتبار طبيعة السياسات الأمريكية الأخيرة في لبنان، يبدو أن إيجاد «آليات جديدة» لتطبيق القرار 1701 بمقاربة جديدة هو «الهدف الرئيسي» لزيارة مبعوث جو بايدن إلى بيروت.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية
بعد حرب يوليو/تموز 2006 بين إسرائيل ولبنان، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1701، الذي يقضي بانسحاب حزب الله إلى الضفة الشمالية لنهر الليطاني تمهيداً لنشر قوات الجيش اللبناني والقوات المتعددة الجنسيات في المنطقة.
ويأمر القرار كذلك جيش الكيان الصهيوني بسحب قواته من المناطق الجنوبية في لبنان مع بدء انتشار القوات المذكورة. وافقت الحكومة اللبنانية على القرار فوراً. وفي اليوم نفسه، أبدى الشهيد السيد حسن نصرالله قبوله للقرار من منطلق صون “وحدة لبنان الوطنية” وبعض الاعتبارات الأخرى، رغم اعتقاده بأن بعض أجزاء القرار الأممي “غير عادلة”.
وبما أن حزب الله كانت له اليد العليا بعد حرب تموز، ولم يكن يريد تجاهل قرارات الحكومة اللبنانية، قَبِل بالقرار دون إبداء معارضة أو موافقة صريحة عليه. لكنه على مدار السنوات الـ 18 الماضية، تم تجاهل جميع مفاد القرار، باستثناء “البند الأساسي” فيه بشأن وقف إطلاق النار الذي تم تنفيذه.
بالنظر إلى تفسير حزب الله للقرار 1701 من وجهة نظر واقعية، مما دفعه إلى عدم الموافقة على كل بنوده منذ البداية، فإن المبعوث الأمريكي في زيارته الأخيرة إلى بيروت أعلن أن القرار 1701 هو “الحل الوحيد لإنهاء الصراع بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله”. وقد أكد في الوقت ذاته على أن “هناك حاجة إلى مزيد من التدابير لضمان تنفيذ القرار بشكل عادل ودقيق وشفاف”.
لا يمكن القول على وجه التحديد ما هو المقصود بـ “المزيد من التدابير”؟ لكن بالنظر إلى الاتجاه الجديد الذي ساد على تطورات المنطقة ولبنان، ووفق “الحسابات الخاطئة” التي اتخذتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أساساً لـ”قراراتهما”، يبدو أن الولايات المتحدة وظناً منها بأن حزب الله والحكومة اللبنانية في “موقف ضعف”، تسعى إلى تطبيق القرار 1701 من خلال “تدابير جديدة”.
وقد كشف مسؤول لبناني في حديث لـجريدة “الأخبار” أن “هوكشتاين أتى ليثير الرعب وقال بوضوح إن هذه الصيغة (القرار 1701) أصبحت من الماضي».
وبغض النظر عما إذا كانت لدى هوكشتاين خطة جديدة في زيارته الأخيرة إلى بيروت أو أنه ناور على نفس الخطة السابقة مع بعض التغييرات، فمن الواضح تماماً أن المبعوث الأمريكي وبناء على تقييم تأثير هجمات الكيان الصهيوني ضد حزب الله على المواقف السياسية للحكومة اللبنانية، يهدف إلى “تثبيت” وضع سياسي وإقليمي جديد و”خلق مكاسب” لحكومة نتنياهو.
ويمكن فرض هذا الواقع السياسي بطريقتين؛ أولاً، إعادة النظر في القرار 1701 وثانياً، تخويف السلطات في بيروت وممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة اللبنانية.
بالنظر إلى أن تغيير وتعديل أحكام القرار 1701 غير مقبول ويتطلب إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن وإصدار قرار جديد، فمن المستبعد جداً أن يتم تعديل القرار المذكور خاصة بسبب “الفيتو” الروسي والصيني المحتمل.
لذلك، فإن الحل الوحيد المتبقي أمام البيت الأبيض في الوقت الراهن هو اللجوء إلى “التلويح بالعصا” وممارسة الضغوط في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، بهدف دفع حزب الله إلى التراجع إلى شمال نهر الليطاني. وتطهير جنوب لبنان من قوى المقاومة، وإعادة النظر في انتشار القوات المتعددة الجنسيات ذات الصلاحيات الخاصة، والسيطرة على مطار بيروت.
إن السياسات الأمريكية في لبنان، قبل أن تتضمن حلولاً حقيقية لوقف هجمات الکیان الصهيوني، هي بشكل أساسي انعكاس لرغبات تل أبيب التي تريد التخلص نهائياً وبأي طريقة ممكنة من التهديدات الموجهة من لبنان ضد الأراضي المحتلة.
إن أهداف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في لبنان «متوافقة» تماماً، مع فارق واحد وهو أن الكيان الصهيوني يهدف إلى القضاء على “حزب الله” ميدانياً من خلال القصف والعدوان العسكري، في حين أن الولايات المتحدة (بسبب العوائق والاعتبارات التي تأخذها في الاعتبار للدخول مباشرة في الحروب والصراعات في المنطقة) تنشط في الساحة السياسية والدبلوماسية بهدف إبعاد حزب الله سياسياً من التطورات الداخلية والمستقبل السياسي في لبنان. لكن هذا التوجه غير مقبول ولن يوقف الحرب، بل يجعل مستقبل الصراع في لبنان أكثر “تعقيداً”.
يبدو أن الإدارة الأمريكية، بناء على تقديراتها بأن الكيان لن ينجح في تحقيق النصر المنشود، تهدف إلى حسم نتيجة الحرب عبر معادلات سياسية.
مع ذلك، هناك نقطة مهمة جداً؛ إن محاولات إضعاف حزب الله أو إبعاده من الساحة السياسة اللبنانية ليست جديدة. فخلال العقدين الأخيرين، بشكل خاص، تم وضع وتنفيذ خطط وضغوط ميدانية وعسكرية وسياسية مستمرة بأشكال مختلفة (عدوان عسكري، إرهاب، عقوبات، عمليات نفسية، و…) من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية والكيان الصهيوني.
إن اعتقاد الأمريكيين بأن حزب الله يواجه مشاكل في الميدان بسبب فقدان السيد حسن نصرالله وأعضاء غرفة قيادته، فكرة “خاطئة”. فضلاً عن ذلك، فإن العمليات الأخيرة التي نفذها حزب الله في عمق الأراضي المحتلة تظهر بوضوح أنه قد “استعاد” قوته ويتصرف وفق مبادئ وقواعد عسكرية وأمنية وسياسية محددة سلفاً.
لقد دفع حزب الله أثمان باهظة من أجل أمن لبنان واستقراره وبقائه في العقود الماضية. إن نزع سلاح حزب الله أو استبعاده من مستقبل لبنان السياسي أو فرض الانسحاب من جنوب لبنان عليه أمر مستحيل، ولن يستسلم حزب الله له أبداً. وحتى على افتراض ذلك جدلاً، إذا حصلت مثل هذه التطورات وتم إبعاد حزب الله من العملية السياسية والميدانية، فإن مشاكل لبنان ستبدأ للتو؛ إذ أنه بدون حزب الله، سيجد الكيان الصهيوني مجالاً أوسع للمناورة في البيئة السياسية والميدانية في لبنان لمتابعة “أطماعه” القديمة في أراضي هذا البلد.
0 تعليق