المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: تسعى مجموعة بريكس، في إطار السياسات "الإيجابية" وليس "السلبية"، ودون انتهاك أو معارضة مبادئ ومكونات بناء نظام على أساس ميثاق الأمم المتحدة، إلى ترتيبات جديدة تتحدى بها النماذج السياسية والاقتصادية والأمنية و... للولايات المتحدة والنظام الليبرالي في العالم الحالي.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
على الرغم من أن النظام العالمي الجديد يمر بـ “مرحلة انتقالية” ولم يصل إلى مرحلة الثبات، إلا أن مجموعة من الترتيبات والمعادلات والتطورات الجديدة زادت من سرعتها في السنوات الأخيرة.
إن التغيير في شكل وطبيعة التحالفات الإقليمية والدولية (استبدال التحالفات الاستراتيجية بتحالفات موضوعية وجيوسياسية)، والخطابات السياسية والاقتصادية الجديدة، والبلدان والمنظمات والتحالفات الناشئة، ونقل مركز القوة من الغرب إلى آسيا هي من بين “المؤشرات الرئيسية” لنظامٍ في طور الإنشاء.
مجموعة بريكس هي واحدة من الآليات غير الغربية الهامة التي تلعب دوراً بارزاً وفعالاً في “تصدع” النظام السابق وإقامة نظام جديد في العالم.
مجموعة بريكس، التي تعد حالياً واحدة من “أقوى” الكتل غير الغربية وأكثر من 40 دولة أعربت عن رغبتها بأن تصبح أعضاء دائمين، تمثل 45% من السكان والأراضي (تضم مجموعة السبع أقل من 7% من سكان العالم)، و 26% من الاقتصاد، و 35.6% من الناتج المحلي الإجمالي (أكثر من حصة مجموعة السبع البالغة 30.3%)، و 40% من إنتاج النفط، و 50% من احتياطيات الغاز، و 30% من الموارد المائية في العالم.
ورغم أن بريكس ليست منظمة بالمعنى الحقيقي للكلمة ولا تزال تعمل في إطار “مجموعة”، إلا أنها تمتلك “أدوات اقتصادية وسياسية” فعالة “تحدّت” بها النظام العالمي السابق في السنوات الأخيرة وحولت هذه المجموعة إلى آلية رئيسية وفعالة وحاسمة في تسريع وتسهيل عملية اقامة نظام جديد.
قمة مجموعة بريكس الـ 16، التي انعقدت مؤخراً في مدينة قازان الروسية، بمشاركة مسؤولين من 33 دولة، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقادة الدول الكبرى في الجنوب، فتحت آفاقاً جديدة للعالم من خلال تعزيز “التعددية” السياسية والاقتصادية، بحيث لا يمكن تجاهلها.
ومما يزيد من أهمية القمة الأخيرة أنها عقدت في خضم تطورات جديدة في المنطقة والعالم، في حين إن أول اجتماع لمجموعة الاقتصادات الناشئة الكبرى التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا كان في وقتٍ توسعت فيه المجموعة في وقت سابق من هذا العام لتشمل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا.
وعلى النقيض من القمم السابقة، كانت قمة بريكس الأخيرة محط اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية في العالم والرأي العام باعتبارها “ثقلاً سياسياً واقتصادياً في مقابل الغرب”.
وعلى الرغم من أن جميع اجتماعات وبيانات مجموعة بريكس تؤكد على نظام قائم على ميثاق الأمم المتحدة والتعددية القائمة على المصالح المشتركة، إلا أن بريكس لديها في الوقت نفسه توجه جديد يؤكد على “إصلاح” الترتيبات والآليات الحكومية وغير الحكومية التي تتخذ من الغرب مقراً لها والتي تتمحور حول الولايات المتحدة، وهو ما كان واضحاً أيضاً في اجتماع بريكس الأخير.
وبعبارة أخرى، تسعى مجموعة بريكس، في إطار السياسات “الإيجابية” وليس “السلبية”، ودون انتهاك أو معارضة مبادئ ومكونات بناء نظام على أساس ميثاق الأمم المتحدة، إلى ترتيبات جديدة تتحدى بها النماذج السياسية والاقتصادية والأمنية و… للولايات المتحدة والنظام الليبرالي في العالم الحالي. وفي هذا الصدد، لا تركز بريكس على مسألة “الأمن” ولا تريد تعريفها كآلية أمنية. لذلك ، فهي تركز بشكل أساسي على القضايا الاقتصادية والتجارية والسياسية.
وفي الاجتماع الأخير في قازان، أظهرت بريكس أن لديها حلولاً واقعية للصراعات الإقليمية والدولية، وخاصة في غرب آسيا، بما في ذلك قضية فلسطين ولبنان واليمن، واحتواء الإرهاب ومواجهته، فضلاً عن القضايا المالية العالمية، والتي يمكن من خلال تحقيقها تصوّر آفاق جيدة لمستقبل السلام والأمن العالمي، وتسريع مسار تحقيق نظام جديد من خلال تخطي العقبات والتحديات القائمة.
ورغم أن بريكس لا تزال تواجه وجهات نظر مختلفة لأعضائها حول بعض القضايا، بما في ذلك تقليل الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية عالمية ومعارضة الهند لتوسيع العضوية في المجموعة، إلا أن هذه الاختلافات في وجهات النظر لا يمكن أن تعطل “الدور الفعال” لمجموعة بريكس في النظام العالمي الجديد وتغيير ميزان القوى في النظام الدولي أو أن تقلل من أهميته.
حقيقة أن العديد من دول الجنوب تتقدم بطلب للحصول على عضوية في مجموعة بريكس، حتى على حساب تحدي الولايات المتحدة والغرب، هي شهادة على أن النظام العالمي الحالي لم يعد يستجيب للمشاكل القائمة، وأن الدول النامية والجنوب، التي تقع في أسفل هرم النظام الحالي ولا يمكنها لعب دور مهم ومتناسب في النظام الدولي وتطوراته، تتطلع إلى “الاستفادة أكثر” من النظام الجديد والتخلص من الهيمنة السياسية والاقتصادية للغرب، وتسعى بالفعل للحصول على حصة ومكانة مواتية في النظام الجديد.
أهم عنصر في قوة الولايات المتحدة وأوروبا في النظام الحالي هما الاقتصاد وهيمنة الدولار. ومع ذلك ، في السنوات القليلة الماضية، خلقت بريكس تحدياً خطيراً لأهم عنصر من عناصر الهيمنة الأمريكية، وهو “الدولار والعقوبات”، وذلك من خلال محاولة إنشاء بنية تحتية جديدة للتجارة وتحويل الأموال باستخدام العملات الوطنية والعملة المشتركة بدلاً من الدولار الأمريكي.
بالإضافة إلى القابليات والقدرات التي تتمتع بها وامتلاكها جزءاً كبيراً من قوة وثروة العالم، تنشط مجموعة بريكس أيضاً في مجالات أخرى ولديها أدوات توجيهية لإقامة نظام جديد في العالم، يمكن الإشارة الى أهمها وهي: إنشاء صندوق احتياطي للنقد الأجنبي لصيانة الدول الأعضاء من تقلبات العملة والنقد الناجمة عن العقوبات الأحادية الجانب من قبل الدول الغربية، إنشاء بنك تنمية جديد للمساعدة في نمو وتنمية دول الجنوب، إنشاء بنية تحتية لمجموعة بريكس بما يتماشى مع فكرة الإنعتاق من الدولار.
0 تعليق