المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: قبل الحرب الروسية - الأوكرانية، لم يكن كثيرون يتوقعون أن العالم يسقط مرة أخرى في هاوية الحرب والتوترات المرتبطة بها؛ أما اليوم فقد ألقت الحرب والتوترات الناجمة عنها بظلالها على أجزاء كثيرة من العالم.
رضا مجيد زادة ـ باحث في العلاقات الدولية
تعد التطورات الجيواقتصادية والجيوسياسية من العوامل الدافعة لتحول هذه التوترات إلى حروب واصطفافات أمنية ـ عسكرية في مختلف المناطق؛ ويعتبر القطب الشمالي أحد أحدث المناطق التي أصبحت، على الرغم من اختلافات بشأن ملكيته بين الدول المجاورة له، ساحة للاصطفافات الأمنية ـ المخابراتية. وفي أحدث تطور في هذا السياق، فإن إنشاء كندا شبكة مع دول أوروبا الشمالية أمر لافت للانتباه. لكن ما أهمية ساحة المواجهة الجديدة هذه ومن هم اللاعبون المؤثرون في هذا المجال؟
إن القطب الشمالي منطقة تقع في المحيط المتجمد الشمالي وبالقرب من جزيرة غرينلاند. تشير التقديرات الأولية لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن أكثر من 20% من موارد العالم غير المكتشفة والقابلة للاستخراج، بما في ذلك 160 مليار برميل من النفط و30% من الغاز الطبيعي في العالم، موجودة في هذه المنطقة وشمال الدائرة القطبية الشمالية. أما فيما يتعلق بملكية منطقة القطب الشمالي الغنية بالنفطـ، فقد أعلنت كل من كندا وروسيا سيادتهما عليها. وفي عام 2014، ادعت الدنمارك ملكيتها لمساحة تبلغ حوالي 900 ألف كيلومتر مربع بالقرب من غرينلاند. في الحقيقة، المنافسة الرئيسية هي بين روسيا والنرويج وكندا والدنمارك والولايات المتحدة، والتي بإمكانها إثبات أن سلسلة جبال لومونوسوف تمتد إلى أراضيها.
لقد تسببت التغيرات المناخية في حدوث تغيرات كبيرة في بيئة القطب الشمالي، كما أن زيادة الوصول إلى موارد هذه المنطقة تشكل ساحة جديدة للمنافسة العالمية في هذه المنطقة. كما أن ظاهرة الاحتباس الحراري، بما في ذلك تفكك طبقة جليدية بحجم مدينة باريس، تعني أن طريقاً تجارياً إلى هذه المنطقة سيكون متاحاً قريباً؛ ومن المحتمل أن يؤدي هذا الاحترار إلى إزالة الجليد عن المنطقة بحلول عام 2040، مما سيكون فتح ممرات بحرية جديدة من نتائجه المهمة التي تكثف المنافسة إلى حد كبير. إضافة إلى ذلك، تشكل الحرب الروسية – الأوكرانية عاملاً آخراً تجعل اهتمام الدول بهذه المنطقة غير مقتصر على قضايا المناخ وموارد القطب الشمالي فحسب؛ إن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي يكشف عن أن إعادة ترتيب التحالفات في سياق المواجهات بين الغرب والشرق هي أمر ذو أهمية آخر؛ المواجهات التي تختلف عن حقبة الحرب الباردة في أنها ليست قائمة على منافسة أيديولوجية، بل على التشبيك وبناء التحالفات للسيطرة على الموارد ومساحات تدفق الموارد، مما يظهر جزء مهم منه في التنافس على الممرات.
على هامش اجتماع وزراء دفاع الناتو في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أكد وزيرا دفاع كندا والدنمارك، إلى جانب وزراء خارجية جزر فارو وممثلي غرينلاند وفنلندا والنرويج والسويد وأيسلندا، التزامهم بتعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع في القطب الشمالي. وتضمن البيان الرسمي للحكومة الكندية حول هذا الاجتماع عبارات مثل: بيئة التهديد في القطب الشمالي، وفرص تعزيز تبادل المعلومات لتحقيق صورة عملياتية مشتركة، والتهديدات الناشئة من الخصوم المحتملين على المستوى الوطني والدولي، وقدرات الردع ضد التهديدات من الخصوم المحتملين، والالتزام بالمشاركة في العمليات والتدريبات المشتركة. وفي اجتماع آخر، اتفق وزير الخارجية الكندي مع نظرائه في الدنمارك وفنلندا وإيسلندا والنرويج والسويد على استكشاف سبل لإجراء “محادثات أمنية بشأن القطب الشمالي”. في الوقت ذاته، ستركز هذه المحادثات حول الاستثمار في القطب الشمالي ومواجهة نفوذ الصين وروسيا أيضاً.
يعمل اقتصاد الشبكات اليوم على أساس سلاسل القيمة العالمية، وتتشكل الهندسة الجديدة للعالم على أساس القوى الدافعة لهذا الاقتصاد. ومن بين هذه القوى الدافعة هو الحاجة إلى إعادة تعريف صورة الدول والتي تظهر دولة تستحق الارتباط بسلاسل القيمة العالمية. أحد الدوافع الأخرى هو تشكيل دوائر وشبكات التعاون، مما يخلق الأمن والردع النسبي ضد التهديدات المحتملة من المنافسين. الدافع الثالث هو استقطاب الرأي العام من خلال منصات عصر الإقطاع التكنولوجي، التي تظهر صورة الدول في عيون العالم بيضاء أو سوداء. وقد تشكلت منطقة الصراع الجديدة في القطب الشمالي نتيجة لهذه التطورات وتفاعل هذه الدوافع، مما يبين أن العالم يتجه نحو تغيير النقاط الجيواستراتيجية؛ تحولت المناطق القديمة والجديدة لساحات مواجهة ومن الممكن أن تظهر، بالإضافة إلى القطب الشمالي، ساحات جديدة للتنافس بين المعسكر الصيني والمعسكر الأمريكي.
0 تعليق