المجلس الاستراتيجي أونلاين - رأي: تمر مصر وتركيا بمرحلة تحسين العلاقات. وقد شهدنا في الأشهر السبعة الماضية "تطورين مهمين" في العلاقات التركية المصرية: الأول؛ زيارة أردوغان إلى مصر (14 فبراير/شباط 2024)، التي تمت لأول مرة منذ أحداث عام 2013 في مصر والإطاحة بمحمد مرسي. الثاني؛ الزيارة الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا (5 سبتمبر/أيلول 2024)، والتي تمت بعد 12 عاماً، ويمكن اعتبارها مهمة للغاية وبداية مرحلة جديدة في العلاقات المصرية التركية.
حميد خوش آيند – خبير في الشؤون الإقليمية
قطعت العلاقات بين مصر وتركيا في عام 2013 بعد الإطاحة بالرئيس المصري الإخواني محمد مرسي والحليف الكبير لأردوغان من قبل عبد الفتاح السيسي، الذي كان آنذاك رئيس هيئة الأركان المشتركة. بعد هذه الحادثة، أقسم أردوغان بأنه لن يتحدث “أبداً” إلى “شخص مثله” (السيسي). لكن عملية تطبيع العلاقات بين البلدين بدأت مع مسابقات كأس العالم 2022، عندما التقى رئيسا البلدين في الدوحة لأول مرة منذ سنوات بمبادرة من أمير قطر.
وحول استئناف العلاقات بين أنقرة والقاهرة، هناك نقاط مهمة يمكن الإشارة الى أهمها:
أولاً: القسم الأكبر من التوتر المستمر منذ عشر سنوات في العلاقات التركية المصرية كان في مجال العلاقات السياسية والدبلوماسية، وفي مجالات أخرى، خاصة الاقتصاد، واستمرت العلاقات التجارية في النمو، وإن كان ذلك بحذر. وخلال هذه الفترة، كانت أنقرة حسب التقارير الإحصائية الشريك التجاري الخامس للقاهرة.
ثانياً: إن استئناف علاقات تركيا مع مصر هو جزء من سياسة “التطبيع التدريجي” التي ينتهجها أردوغان، والتي تعطي الأولوية لتحسين وتعزيز العلاقات مع الدول العربية.
ثالثاً: على الرغم من أن تركيا تسعى إلى “تطبيع العلاقات”، إلا أنها لا تسعى إلى “علاقة استراتيجية” مع مصر. هناك سببان واضحان لعدم سعي تركيا إلى إقامة علاقات استراتيجية مع مصر في الوقت الحالي:
1- إن التحديات والعقبات القائمة في طريق تحسين العلاقات خطيرة وهامة. على سبيل المثال، لا يزال البلدان يتنافسان حول كيفية ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط وفي شرق ليبيا. فمصر تعتبر شرق ليبيا عمقها الاستراتيجي. في المقابل، لدى تركيا رؤية استراتيجية وجيوستراتيجية لشرق ليبيا بسبب توسيع ترسيم الحدود البحرية.
2- يتطلب الارتقاء بالعلاقات من المستوى الطبيعي إلى المستوى الاستراتيجي “روابط عميقة” سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، و”فهماً مشتركاً” للقضايا والمواضيع الثنائية، واتخاذ خطوات كبيرة وجادة. وظيفة العلاقات الاستراتيجية هي تعزيز أمن الشركاء، وتعزيز المصالح في العالم الخارجي، ومواجهة العدو المشترك، وعشرات القضايا الأخرى، مثل هذه القضايا لن تناقش على الإطلاق في العلاقات بين أنقرة والقاهرة حتى بعد سنوات.
رابعاً: فيما يتعلق بالعوامل المؤثرة على تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، فإن دور القطاع الخاص و”المصالح الاقتصادية المتبادلة” كأحد المحركات الرئيسية، وخاصة من قبل أنقرة، بارز ومهم.
مصر دولة عربية وأفريقية كبيرة، يعتمد استقرارها ونموها الاقتصادي على “الاستثمار” والمساعدات الخارجية، وهي فرصة فريدة للشركات الاقتصادية التركية التي تعاني من مشاكل اقتصادية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج. وقد كان هذا مفيداً جداً للمستثمرين الأتراك لدرجة أنهم استثمروا أكثر من 3 مليارات دولار في مصر منذ بداية التطبيع، الذي لم يمض عليه أكثر من عام.
وفي الوقت نفسه، يستفيد الاقتصاد المصري، الذي يواجه ضغوطاً مالية واقتصادية، أكثر من التعاون مع تركيا. إن جذب رجال الأعمال الأتراك إلى سوق رأس المال المصري، في الوقت الذي توقف فيه منح المساعدات للحلفاء السابقين، بما في ذلك السعودية والإمارات، هو مساهمة كبيرة في الاقتصاد المصري المتعثر.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي العلاقات الاقتصادية مع تركيا إلى تحديث وتطوير القدرات العسكرية والدفاعية لمصر. فالتعاون مع تركيا يوفر فرصاً خاصة “للقوى العاملة المصرية” للعمل في مشاريع إعادة الإعمار التي تقوم بها تركيا في ليبيا ومناطق أخرى. ويعد التطوير المشترك لموارد الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط فرصة اقتصادية أخرى لمصر في هذا الصدد.
خامساً: في مجال السياسة الخارجية، بالإضافة إلى الضرورات الناشئة عن تطورات حرب غزة والحاجة إلى التآزر بين تركيا ومصر في هذا الصدد، يعد “ملف ليبيا” أحد المحركات المهمة لتحسين العلاقات بين الحكومة التركية ومصر، وهو بالطبع أحد أولويات القاهرة.
تداعيات الصراع في ليبيا دفعت كلا الجانبين إلى “فهم” أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق في ليبيا إلا من خلال السلام والمصالحة. إذا تم حل هذه القضية، فسيكون لها بالتأكيد إنجازات كبيرة لتركيا ومصر والشعب الليبي، وستظهر آثارها على مختلف قطاعات الطاقة والصناعة والتجارة والبناء واليد العاملة ووو…..
النقطة الأخيرة: على الرغم من تحسن العلاقات بين البلدين والتقدم والنتائج المهمة التي تحققت في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها. ومع ذلك، فإن قلق الحكومة المصرية بشأن وضع جماعة الإخوان المسلمين في تركيا لا يزال قائماً، لذلك تفضل الاستمرار في السير “بحذر” الى أن يتم إزالة المخاوف الناجمة عن أنشطة جماعة الإخوان التركية.
كما تظهر السلوكيات الأخيرة للحكومة التركية تجاه الإخوان أن هذه القضية يمكن أن تطغى عليها وتخضع لعلاقاتها مع مصر، ليس بشكل مطلق وكامل، ولكن في أوقات “الضرورة” والظروف “الطارئة”. كما أن إسقاط جنسية عدد من قيادات الإخوان في تركيا فور عودة أردوغان من زيارته لمصر وطردهم من تركيا، يظهر أنه مع تقدم العلاقات بين أنقرة والقاهرة، فإن وضع الإخوان سيتأثر بقوة أكبر بمصالح تركيا ومصر وفي سياق الظروف المتغيرة في المنطقة.
0 تعليق