المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي الضیف: بينما كان يبدو أن الضربات المتبادلة بين إيران والكيان الإسرائيلي قد انتهت بعد عملية الوعد الصادق الإيرانية التي جاءت رداً على الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على مبنى القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق في أبريل/نیسان 2024، فإن عملية الاغتيال الإرهابية التي نفذها الكيان الصهيوني بحق الشهيد إسماعيل هنية في طهران فجر الأربعاء 31 يوليو/تموز 2024 أظهرت أن المواجهة المباشرة مستمرة بين طهران وتل أبيب، ومن الصعب أن تعود إلى ما كانت عليه من مواجهة غير مباشرة.
عفيفة عابدي ـ باحثة في مركز دراسات مجمع تشخيص مصلحة النظام
في مرحلة ما قبل الهجوم على مبنى القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، كان الكيان الإسرائيلي قد هاجم مواقع ومصالح إيرانية في سوريا في فترات مختلفة. وكانت إيران، من منطلق مبدأ الصبر الاستراتيجي، تنفذ ردودها غير المباشرة في الأوقات المناسبة، لكن بعد الهجمات الإرهابية في دمشق ثم في طهران، تحولت المواجهة بين إيران والكيان الإسرائيلي إلى صراع مباشر بشكل تدريجي. وهو واقع يرى جميع المحللين المحايدين أنه نتاج الاستفزازات والممارسات التصعيدية للكيان الصهيوني المتأزم.
إن الهجوم الإرهابي الذي وقع في طهران وأدى إلى استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان ضيفاً رسمياً لدى إيران، هو أيضاً مثال واضح على أعمال الكيان الإسرائيلي التصعيدية ضد إيران؛ مع أنه كان بمقدور الكيان الصهيوني أن ينفذ هذا العمل الإرهابي في دول أخرى في المنطقة مثل تركيا وقطر، بالاعتماد على الدعم الاستخباراتي والعسكري الأمريكي.
من وجهة النظر الإيرانية، التي صرح بها مختلف المسؤولين في البلاد، فإن العمل الإرهابي الذي قام به الصهاينة ضد أحد قادة المقاومة في طهران سيتلقى ردّين مؤكدَين وحتميين؛ أحدهما من قبل المقاومة الفلسطينية والآخر من قبل طهران، رداً على انتهاك سيادتها واغتيال ضيفها الرسمي.
لكنه على غرار ما شهده العالم من تفاعل ذكي بين المؤسسات العسكرية والجهاز الدبلوماسي في إيران على المستوى الإقليمي والعالمي مما ساعد على تعزيز موقف إيران في تحقيق أهدافها متعددة الجوانب بعد استهداف مبنى القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في سوريا واستشهاد اللواء محمد رضا زاهدي، أحد كبار قادة فيلق القدس، ونائبه و5 مستشارين عسكريين إيرانيين، فقد أظهرت إيران أنها في سياق الرد على العمل الإرهابي في طهران، تأخذ في الاعتبار بعناية الحسابات السياسية – القانونية الدولية ومبدأ التناسب والمفاجأة العسكرية.
وبناء على ذلك، طالبت إيران أولاً بعقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتوضيح الأبعاد الخطيرة للجريمتين اللتين ارتكبهما الكيان الصهيوني في بيروت وطهران بشكل متزامن ودعم الولايات المتحدة المباشر لهذه الجرائم. ويمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة أساس قانوني مهم لتعزيز مكانة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في مكافحة إرهاب الدولة المنظم. إن استعداد إيران لإدارة التوتر من خلال الآليات القانونية والمؤسسات الدولية هو من الأدلة الدقيقة والمقنعة للغاية حول التزام إيران بالأمن والنظام الإقليميين والدوليين.
تشير جميع الأدلة إلى أن الانتهاك المتكرر لميثاق الأمم المتحدة بشأن سيادة الدول من قبل الكيان الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة أصبح ممارسة عادية وأضعف المساعي الدولية لمكافحة الإرهاب.
ينبغي أيضاً اعتبار الرد العسكري الانتقامي الإيراني على الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الكيان الصهيوني خطوة في إطار الإجراءات القانونية – العسكرية لمكافحة الإرهاب. وبينما أخذت بعض الدول الغربية مجلس الأمن رهينة لرغباتها وجعلته غير قادر على اتخاذ قرار مناسب لإنهاء الأعمال الإرهابية الإسرائيلية، فإن الرد العسكري الإيراني على تلك الأعمال الإرهابية من شأنه أن يعزز ممارسة الحق في اتخاذ التدابير المضادة في إطار ميثاق الأمم المتحدة ومنع إرهاب الدولة المنظم.
إن إثارة فكرة وقف إطلاق النار في غزة مقابل تنازل إيران عن اتخاذ إجراءات عقابية ضد الأعمال الإرهابية الإسرائيلية، هي بدورها لعبة تستهدف الرأي العام في المنطقة والعالم للتغطية على ممارسة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين على يد الكيان الصهيوني على مدار أكثر من 10 أشهر. وذلك في حين أنه منذ بداية حرب غزة، دعت إيران ومحور المقاومة برمته مراراً وتكراراً إلى إنهاء الإبادة الجماعية في غزة وطالبت مؤيدي الكيان الإسرائيلي خاصة الولايات المتحدة بتبني سلوك ملتزم.
إذن، كما في عملية الوعد الصادق، سلكت طهران من خلال دبلوماسية حكيمة كل المسارات القانونية والسياسية قبل تنفيذ ردها العسكري العقابي ضد الكيان الصهيوني. وفي ظل انعدام التصميم لدى المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن، فإنها تعتبر من حقها المشروع الرد على الكيان الصهيوني رداً متناسباً وحاسماً تلبية لمطلب الشعب الإيراني.
أظهرت عملية الوعد الصادق أن إيران لديها إشراف استخباراتي وأمني على مواطن الضعف لدى الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن حالة عدم اليقين القائمة بشأن أبعاد الرد الإيراني هو جزء من عملية إيران لإظهار أنها هي من تحدد زمان ومكان ونوع العملية.
لا تسعى إيران إلى التحريض على الحرب، بل تنوي تنفيذ رد ضروري على: 1- الأعمال الاستفزازية المتكررة للكيان الصهيوني ضد إيران، 2- جرائم الكيان المستمرة في غزة في ظل عدم فعالية المؤسسات الدولية لإنهاء الإبادة الجماعية بحق سكان غزة 3- السياسات الغربية المتناقضة والبعيدة عن الإنسانية في مواجهة جرائم الكيان الإسرائيلي. 4- إخفاق استراتيجية الدبلوماسية القانونية والسياسية في الأوساط الدولية نتيجة العراقيل الأمريكية.
ستؤدي هذه العملية إلى فضح واقع الكيان الصهيوني الخاسر للرأي العام العالمي، وإضعاف القدرات العسكرية والردع الإسرائيلي في عين الرأي العام، وتثبيت استراتيجية إيران الجديدة في المنطقة. إن التركيز على تعطيل التماسك النفسي للعدو وإبراز تصور التهديد الذي يشكله العدو هو أحد أهداف إيران المهمة في استخدام الدبلوماسية السياسية والقانونية والدفاعية والهجومية في فترة الحرب والتوتر هذه، والذي ينطوي على رسائل عدة لجهات عدة.
وعلى عكس الكيان الصهيوني الذي يسعى إلى تبييض ممارساته العدوانية عبر القنوات الصهيونية غير الرسمية والدعايات الإعلامية الغربية – الإسرائيلية، وفي ظل دعم الموقف الأمريكي لهذا النمط السلوكي للكيان الإسرائيلي، فإن النمط السلوكي الإيراني معياري وشفاف وفي إطار الصلاحيات القانونية الواردة في الوثائق الدولية المهمة للأمم المتحدة والبروتوكولات التي يعترف بها المجتمع الدولي.
0 تعليق