المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في القضايا الدولية: "التحدي بين الغرب وروسيا سيظل قوياً، إلا إذا أدت الانتخابات الأمريكية والأوروبية إلى وصول ترامب واليمين إلى السلطة وتغيير التوجهات تجاه الحرب في أوكرانيا من أجل إنهاء الحرب بالحفاظ على هيبة روسيا بطريقة أو بأخرى. لكن إذا لم تحدث تغييرات سياسية على هذا المستوى، فإن التحدي بين الغرب وروسيا سيستمر بسبب التطورات التي حدثت، بما في ذلك تمديد العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد روسيا، فضلاً عن زيادة الدعم الغربي لأوكرانيا.
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال مهدي ذاكريان عن استمرار التوتر بين الغرب وروسيا بشأن أوكرانيا: “على عكس القرن العشرين عندما كان النظام العالمي ثنائي القطب ومتعارضاً، فإن النظام العالمي اليوم متجانس ومتعدد الأطراف في بعض القضايا باستثناء المجال السياسي. من جهة أخرى، هناك فجوة عميقة في البعد السياسي والأمني في النظام العالمي الحالي وتحاول روسيا استغلال هذه الفجوة لصالحها. بدأ التوتر في البعد السياسي مع توسع حلف الناتو شرقاً، إلى درجة أن روسيا والحلقة الأمنية الثالثة للناتو حاولتا الانضمام إلى هذه الحلقة، حتى تتم تحركات الناتو نحو الشرق بالتنسيق مع روسيا، لكن حالت بعض الخلافات دون تشكل هذه الحلقة.”
وتابع: “بعد ذلك، قامت روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم، ثم حدث الهجوم العسكري على أوكرانيا، مما كان يدل على أن الانقسام العميق في البعد السياسي لا يزال قوياً. وقد حاولت روسيا استقطاب داعمين لنفسها كما تحظى أوكرانيا بدعم الغرب والولايات المتحدة، لكنها لم تنجح كثيراً في هذا الصدد. على سبيل المثال، حاولت روسيا جلب الصين معها، وهي الآن تحاول جلب كوريا الشمالية وفيتنام معها، لكن هذه المحاولات مجرد استعراض للتحالف. لقد تجنبت الصين ببراعة خاصة المواجهة بين روسيا والغرب، ولم تؤيد دول أخرى، باستثناء بيلاروسيا، الهجوم الروسي على أوكرانيا بنسبة 100%. لذلك فإن ما نشهده اليوم من روسيا من سعي إلى توسيع تفاعلاتها ومشاوراتها الدبلوماسية ليس بناء تحالف، ولا تتجاوز درجة المواكبة والتعاون.”
وأكد الخبير على أن جهود الغرب والولايات المتحدة في تقديم الدعم المالي والمعدات العسكرية لأوكرانيا مستمرة، قائلاً: “هذا الجانب من قدرة الغرب والولايات المتحدة هو أمر تعاني روسيا فيها من ضعف كبير، ولذا عليها أن تتفاعل مع الدول التي تواكب جزئياً سياسات موسكو، وإلا فلن تتمكن من الاستمرار في هذا التوتر والصراع. لم تؤيد فيتنام وكوريا الشمالية الهجوم الروسي على أوكرانيا، ولا تأتي زيارة بوتين لهاتين الدولتين إلا في إطار التعاون الثنائي. في أفضل الأحوال، يمكن لروسيا أن تجلب مواكبة سياسية من بعض الدول في هذا التحدي الذي تواجهها منذ عامين، وليس بمقدورها تشكيل كتلة سياسية. وتعلم روسيا جيداً أن كوريا الشمالية ليست دولة يمكن الاعتماد عليها من حيث المواقف والإجراءات الأمنية والسياسية، وأنها تتخذ أحياناً قرارات تخلق التوتر وتزيد التكاليف، لكن موسكو لا تجد اليوم بداً من التقارب من هذا البلد، لأنها ربما تريد استخدام صواريخ كورية شمالية في حرب أوكرانيا لتحييد الوضع الذي خلقه الغرب.”
وقال ذاكريان: “بما أن أوكرانيا تتمتع بدعم دولي، خاصة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن روسيا تحاول إظهار أن الحرب في أوكرانيا ليست حرب روسيا فقط، وأن هذه الدولة ليست وحدها في حربها مع أوكرانيا، من خلال توسيع تفاعلاتها وعلاقاتها مع الدول ذات التوجه الممثال.”
وحول استمرار العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا وتصدي موسكو للضغوط الاقتصادية التي تواجهها، قال: “العقوبات تكلف كل دولة، وروسيا كغيرها من الدول، عاجلاً أم آجلاً، ستضطر إلى البدء بالحوار من أجل إنهاء الأزمة. على عكس العقوبات المفروضة على إيران والعراق وميانمار والتي كان لها طابع دولي، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ليس لها طابع دولي، بل هي عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقط. مع ذلك، فإن العقوبات صعبة ومؤثرة على روسيا التي لديها تفاعلات دولية كبيرة في المجالات المالية والمصرفية مع العالم. على أية حال، الاقتصاد العالمي مرتبط بالبنوك الأوروبية والأمريكية.”
وبالإشارة إلى التطورات السياسية المقبلة حتى نهاية عام 2024 وتأثيرها على الصراع بين روسيا والغرب، قال الخبير في القضايا الدولية: “التحدي بين الغرب وروسيا سيظل قوياً، إلا إذا أدت الانتخابات الأمريكية والأوروبية إلى وصول الجمهوريين واليمينيين للسلطة وفي هذه الحالة، ورغم أن التوتر قد لا ينتهي لصالح روسيا، فإنه ربما يمنح بوتين بعض المساحة لإنهاء الحرب مع الحفاظ على هيبة روسيا الدولية. لكن إذا لم تحدث تغييرات سياسية على هذا المستوى، فإن التحدي بين الغرب وروسيا سيستمر بسبب التطورات التي حدثت، بما في ذلك تمديد العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا، واستمرار الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا.”
وصرح ذاكريان: “مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه إذا وصل الجمهوريون في الولايات المتحدة أو اليمينيون في أوروبا إلى السلطة، فلن يقيموا علاقات ودية مع الروس، لأنهم أيضاً يتخذون قراراتهم بناءً على مصالحهم الوطنية. والحقيقة هي أنهم قد يغيرون الطريقة التي يدعمون بها أوكرانيا، لكن لن تكون لروسيا اليد العليا.”
وذكر أن رد روسيا على سياسة الناتو التوسعية نحو الشرق كان يتمثل في احتلال المناطق المحيطة بها في الخطوة الأولى، لكن هذا التوجه لا يمكن أن يكون ناجحاً على المدى الطويل، وأوضح: “إذا احتلت روسيا كامل أوكرانيا وحتى لو احتلت أوروبا الشرقية فلن تكون متأكدة من تأمين حدودها الغربية؛ لأن التوسع الإقليمي اليوم لتحقيق الهيمنة ليس بنفس أهمية الاقتصاد التنافسي. واليوم، يكمن التطور والقوة في القدرة على تحقيق أكبر فائدة باستخدام الأراضي والموارد المحدودة الموجودة. كما استطاعت سويسرا والنرويج أن ترفعا مكانتهما في العالم من حيث الاقتصاد والثروة بفضل إنتاجيتهما العالية. الصين كذلك، من أجل تحييد الضغوط الأمريكية، ذهبت إلى تعزيز قدراتها في المجال الاقتصادي، لذا فمن غير المرجح أن تتمكن روسيا من النجاح مستقبلاً من خلال الاستمرار في النهج الحالي.”
وقال ذاكريان إن تعاون الصين مع روسيا في بعض النقاط بعد الهجوم على أوكرانيا كان من أجل انتزاع بعض الامتيازات من الولايات المتحدة. ولذلك يتعين على روسيا أن تكيف معاييرها مع المعايير العالمية قدر الإمكان.
0 تعليق