المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في 12 فبراير/شباط، لجأت جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية مرة أخرى لطلب فرض تدابير تحفظية لحماية مدينة رفح وذلك في ضوء تصريحات مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن ضرورة الدخول العسكري إلى منطقة رفح في قطاع غزة، وبالنظر للهجمات التي تلت تلك التصريحات.
رضا نصري ـ قانوني دولي
رداً على طلب جنوب أفريقيا، أصدرت محكمة العدل الدولية بياناً تضمّن “قرارها” ـ مستشهدة بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، الذي وصف الوضع الإنساني في غزة بـ “الكابوس” ـ تأكيدها مرة أخرى على ضرورة امتثال الكيان الإسرائيلي للقرار المؤقت الذي صدر في 26 يناير/ كانون الثاني. لقد أثار رد المحكمة على طلب جنوب أفريقيا ردود فعل انتقادية مختلفة قابلة للنقاش، تستدعي الإشارة إلى بعض النقاط في هذا الصدد:
1- في طلبها الأخير، لم تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة اتخاذ تدابير تحفظية محددة. ترتكز بعض ردود الفعل على تصور أن جنوب أفريقيا طلبت من المحكمة إصدار “أمر بوقف إطلاق النار” لمنع الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح؛ إلا أن جنوب أفريقيا قدمت طلبها على أساس المادة 75 (البند 1) من لائحة المحكمة والتي تسمح للمحكمة أن تقرر، من تلقاء نفسها (proprio motu)، فرض تدابير تحفظية في سياق نظرها في قضية ما.
2- السبب وراء استناد جنوب أفريقيا إلى المادة 75 (البند 1) من لائحة المحكمة بدلاً من الاستشهاد بالمادة 76 (البند 1) هو ضرورة الحصول على أمر في أقصر وقت ممكن، وهو إجراء مفهوم بالنظر إلى العملية العسكرية الوشيكة للجيش الإسرائيلي في رفح. في الحقيقة، قصدت جنوب أفريقيا، من خلال استنادها إلى هذه المادة من اللائحة، حث المحكمة على إصدار تدابير تحفظية جديدة دون الحاجة إلى جلسة استماع شفهية. فيما إذا كانت تقدم طلبها بموجب المادة 76 (البند 1)، لكان بإمكانها تقديم حججها بالتفصيل في جلسة استماع شفهية في المحكمة وطلب فرض تدابير تحفظية معينة. لكن على ما يبدو، أعطى المحامون الجنوب أفريقيون أولوية أكبر لعامل “الوقت” نظراً للظروف الميدانية.
3- بما أن المادة 75 (البند 1) من اللائحة تمنح المحكمة سلطة أن تقرر “من تلقاء نفسها” ـ وحسب تقديرها الخاص ـ إصدار تدابير تحفظية في عملية النظر في القضية، فإنه ليس ممكناً أن يقدم أحد طرفي القضية “طلباً” بموجب هذه المادة. كما أشار الكيان الإسرائيلي إلى هذا التفسير للمادة 75 (البند 1) في الرسالة التي قدمها إلى المحكمة على خلفية طلب جنوب أفريقيا، وبالتالي اعتبر عودة المحكمة إلى موضوع “رفح” متعارضة مع اللائحة. لكن على الرغم من ذلك، وجدت المحكمة أنه من الضروري الدخول في القضية ـ بدلاً من رفض طلب جنوب أفريقيا ـ من خلال التأكيد على الوضع المأساوي والكابوس الإنساني في قطاع غزة والذي “يزداد سوءاً بشدة” في ظل التطورات الجديدة، بحسب رأيها، مشددة مرة أخرى على ضرورة امتثال الكيان الإسرائيلي لتدابير القرار المؤقت الصادر في 26 يناير/كانون الثاني.
4- عدم إصدار تدابير تحفظية جديدة ـ وهو أمر مفهوم بالنظر إلى استناد جنوب أفريقيا إلى المادة 75 (البند 1) من لائحة المحكمة ـ من ناحية؛ والتأكيد على ضرورة امتثال الكيان الإسرائيلي بالقرار المؤقت القائم بغية منع تدهور الوضع الإنساني، من ناحية أخرى؛ يشيران إلى أن المحكمة تعتبر الأمر المؤقت القائم كافياً لمنع الكيان الاسرائيلي قانونياً من اجتياح رفح.
في الحقيقة، على الرغم من أنه وفقاً للمادة 75 (البند 1)، لا يجوز للمحكمة أن تصدر أمراً جديداً بناء على طلب أحد طرفي القضية، إلا أن المحكمة رأت أنه من الضروري الدخول في الموضوع بسبب تدهور الوضع الإنساني في غزة؛ فعملياً اتخذت موقفاً لصالح جنوب أفريقيا من خلال التذكير بالأمر المؤقت القائم.
وبصرف النظر عن أن إجراء جنوب أفريقيا ـ ورد المحكمة عليه ـ يُعتبر خطوة على حساب الكيان الإسرائيلي في مراحل النظر في القضية، فمن الضروري ـ ونظراً لموقف المحكمة ـ الإصرار على التفسير القائل بأن قرار المحكمة المؤقت الصادر في يناير/كانون الثاني يكفي لمنع الكيان الإسرائيلي قانونياً من دخول رفح وبناء على ذلك، لا يجوز لهذا الكيان اجتياح المدينة.
0 تعليق