المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: من أهم مبادئ القانون الدولي هو حظر استعمال القوة من قبل الدول ضد الدول الأخرى؛ المبدأ الذي تم انتهاكه بشكل واضح خلال الأيام الماضية بهجمات الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، مما يستدعي قيام المجتمع الدولي بالاحتجاج عليه بشكل جدي.
الدكتور علي كربلائي حسيني ـ باحث في القانون الدولي
تنص الفقرة (4) من المادة (2) لميثاق الأمم المتحدة على أنه:
“يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.
الاستثناءات الوحيدة لهذه القاعدة هي اللجوء إلى القوة للدفاع عن النفس، وهو ما تعترف به المادة 51 من الميثاق، وكذلك الحالات التي يوافق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب الفصل السابع من الميثاق، من أجل الحفاظ على أو استعادة السلام.
مع ذلك، في الممارسة العملية، وخاصة في السنوات الأخيرة، يٌلاحَظ توجه متزايد نحو اللجوء إلى استعمال القوة من قبل الدول دون الحصول على ترخيص من مجلس الأمن، إما عن طريق الاستشهاد بمبررات مثل التدخل الإنساني، أو الدفاع الوقائي عن النفس، أو مسؤولية الحماية، أو عن طريق تجاهل الأمم المتحدة أو الالتفاف عليها.
دور مجلس الأمن والقيود التي يواجهها
إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو الجهاز الرئيسي للمنظمة، والذي يتولى مسؤولية الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. ويتمتع هذا المجلس بصلاحية التأكد من وجود أي تهديد للسلام أو خرق للسلام أو عمل عدواني، وتحديد التدابير التي يجب اتخاذها للتعامل معه، بما في ذلك استخدام القوة. إن قرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع أعضاء الأمم المتحدة، بغض النظر عن موافقتهم أو التزاماتهم التعاهدية الأخرى.
ونظراً لسوابق أدائه، فقد تعرض هذا المجلس لانتقادات كثيرة منها الافتقار إلى التمثيل والشرعية، خاصة في ظل الواقع العالمي المتغير وظهور جهات فاعلة وقضايا جديدة؛ وعدم كفاءته وعدم تماسكه خاصة في التعامل مع الأزمات المعقدة والعاجلة؛ والانتقائية وتطبيق المعايير المزدوجة خاصة فيما يتعلق باستعمال القوة.
نظرة على حالات استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن
على الرغم من حظر استعمال القوة ودور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا المجال، إلا أن حلف الناتو وبعض الحكومات لجأوا في حالات كثيرة إلى القوة دون ترخيص من مجلس الأمن، ومن أوضح الأمثلة على هذه الحالات هو ما يلي:
* تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999 دون الحصول على ترخيص من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بادعاء أنه كان تدخلاً إنسانياً لمنع وقوع كارثة إنسانية وحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي. وقد حظي هذا التدخل بدعم العديد من الدول والجهات الفاعلة، لكنه لقي معارضة وانتقاداً أيضاً من قبل آخرين، جادلوا بأن هذا الإجراء ينتهك سيادة يوغوسلافيا ويقوض سلطة ومصداقية الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فقد خلق سابقة خطيرة للتدخلات المستقبلية.
* إن غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 تم دون ترخيص من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تحت ادعاء أنه دفاع وقائي ضد التهديد المزعوم لأسلحة الدمار الشامل وإرهاب العراق. مع أن الغزو حظي بدعم ائتلاف من الدول، لكن عارضه وانتقده آخرون جادلوا بأنه انتهاك للحظر المفروض على استخدام القوة، ويفتقر إلى الأدلة والمبررات الكافية، ويخلف عواقب إنسانية وأمنية وخيمة على سكان العراق والمنطقة.
* كان تدخل الناتو في ليبيا في عام 2011، والذي رخّص به في البداية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب مسؤولية الحماية، لحماية المدنيين من عنف وقمع نظام القذافي، اتسع لاحقاً بهدف تغيير النظام ودعم قوات المعارضة وتجاوز النطاق والصلاحيات التي أقرها قرار مجلس الأمن.
في أحدث حالة، ينبغي اعتبار الهجوم الأمريكي – البريطاني على اليمن انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي واستعمال القوة من قبل هذه الدول دون ترخيص؛ مما يشكل تحدياً خطيراً للقانون الدولي ويتعارض مع النظام العالمي، للأسباب التالية:
ـ يُعتبر انتهاكاً للمبدأ الأساسي المتمثل في حظر استعمال القوة، والذي يشكل حجر الزاوية في ميثاق الأمم المتحدة والنظام القانوني الدولي. إن استخدام القوة دون ترخيص من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقوض سيادة القانون والحل السلمي للنزاعات ويزيد من خطر التصعيد والانتقام. إن استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن يدمر سلطة وشرعية هذا المجلس والأمم المتحدة بشكل عام ويضعف نظام الأمن الجماعي والتعاون المتعدد الأطراف.
ـ يهدد سيادة الدول وسلامتها الإقليمية، واللتين تشكلان العناصر الأساسية للنظام السياسي الدولي. إن استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن ينتهك حقوق ومصالح الدول ويشكل تدخلاً في شؤونها الداخلية وخياراتها السياسية. كما أن استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن يخلق عدم استقرار وانعدام أمن للدول ويضعف الثقة في العلاقات الدولية المتساوية فيما بينها. إضافة إلى ذلك، فإن اللجوء إلى القوة دون ترخيص من مجلس الأمن يمثل تحدياً لمبدأ المساواة وعدم التمييز بين الدول ويخلق هرمية وعدم توازن في القوى بينها.
ـ يعرّض للخطر حقوق الإنسان ورفاهية الناس، وهما الهدفان النهائيان للنظام الأخلاقي الدولي. إن اللجوء إلى القوة دون ترخيص من مجلس الأمن يتسبب في معاناة وأضرار إنسانية وينتهك كرامة الناس وحقوقهم. إن استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن يخلق أزمات إنسانية وبيئية، ويعطل التنمية الاجتماعية والاقتصادية للشعوب، ويتجاهل رغبات الشعوب ومشاركتها، ويضعف الديمقراطية ومساءلة المجتمع الدولي.
إن استعمال القوة دون ترخيص من مجلس الأمن هو قضية معقدة ومثيرة للجدل ولها أبعاد قانونية وسياسية وأخلاقية وعملية. إن مثل هذا الإجراء يوضح تحديات ومعضلات النظام الدولي المعاصر، حيث حلَّ الصراع محل التعايش والتعاون، وحلَّت الفوضى محل النظام، وحلَّ عدم الاستقرار محل الاستقرار.
0 تعليق