المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: وصف الرئيس السابق لمؤسسة دراسات القوقاز توقيع وثيقة التعاون الدفاعي بين يريفان ولندن لعامي 2023 و 2024 بأنه جزء من استراتيجيات الحكومة الأرمينية لحل أزماتها الخارجية.
في حوار مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، ذكر سيدمهدي حسيني تقي آباد أن باشينيان وصل إلى السلطة كشخصية ذات توجهات غربية في عام 2018، وقال: رغم أنه أطاح بسركيسيان بشعار محاربة الفساد، إلا أنه استخدم القضايا المتعلقة بناغورنو قره باغ في الحملة السياسية، واستغلها، وكان أبرزها مظهره وملابسه أثناء تواجده على رأس الاحتجاجات في الشوارع. في الماضي كان أحد المقربين من الرئيس تربتروسيان الذي يميل نحو الغرب، وأثبت عملياً أنه في أرمينيا ينتمي إلى الطيف الذي يعتبر البلاد بنظرة ناقدة رهينة لقضية ناغورنو قره باغ.
وفي معرض شرحه للعملية التي أدت إلى استعادة جمهورية أذربيجان لمنطقة ناغورنو قره باغ والمدن السبع المحيطة بها، وصف هذا الخبير في قضايا القوقاز موقف روسيا وأدائها تجاه هذه التطورات بأنه ذريعة لباشينيان لمزيد من النأي بنفسه عن موسكو و جذب الرأي العام في البلاد لدفع سياسة التقرب من الغرب.
اعتبر هذا المحلل عدم مشاركة باشينيان في اجتماع رؤساء دول الكومنولث في بيشكيك ومعاهدة الأمن الجماعي في مينسك في خريف هذا العام وتصريحاته؛ مثل اعتبار اعتماد أرمينيا أمنياً على روسيا فقط أمراً خاطئاً قبل أسبوع من التدريبات المشتركة مع الولايات المتحدة، وتصريحه أيضاً أن أرمينيا لم يعد لديها سبب قوي لمواصلة التعاون الأمني مع روسيا، بالتزامن مع تسليم قره باغ إلى باكو، أحد مصاديق هذه العملية.
وذكّر قائلاً: على الرغم من أن روسيا تشرف على جزء مهم من البنية التحتية لأرمينيا مثل السكك الحديدية والغاز والكهرباء ولديها قاعدة عسكرية في أرمينيا، إلا أن لديها العديد من القيود في تنظيم سلوك باشينيان. وتتصرف موسكو بكل حذر إزاء باشينيان الذي يدرك هذه الحسابات والاعتبارات.
بينما ذكّر الرئيس السابق لمؤسسة دراسات القوقاز، بأن فرنسا والولايات المتحدة لم تقدما دعماً عملياً لأرمينيا خلال الفترة التي فقدت فيها أرمينيا السيطرة على ناغورنو قره باغ الجبلية والمدن السبعة المحيطة بها، وفقط في الأشهر الأخيرة وبعد سيطرة أذربيجان الحاسمة على ناغورنو قره باغ والنزوح الكبير للسكان الأرمن من قره باغ قامت واشنطن بفرض ضغوط إعلامية ودبلوماسية على باكو، أشار إلى أنه بالتزامن مع التدريبات العسكرية الاستعراضية التي استمرت 10 أيام والتي أجريت في أرمينيا بحضور 85 أمريكياً و 175 أرمنياً اعتباراً من 11 سبتمبر (أيلول) 2023، أجرت جمهورية أذربيجان عملية عسكرية ليوم واحد في 19 سبتمبر (أيلول) واستعادت سيادتها على ناغورنو قره باغ، وعلى الرغم من أن حكومة باكو زعمت أن هذا السيناريو “B” الذي جاء مقابل قطع حاجز سيفنيك، لكن الحقيقة أن عدم تنفيذ السيناريو “A” لا علاقة له بالمناورة الأمريكية وكان سببه الخطوط الحمراء المعلنة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعدم قبولها تغيير الحدود الدولية واستمرار سياسة طهران المبدئية المتمثلة في دعم السلامة الإقليمية لكلا الجارتين الشماليتين.
وأشار حسيني إلى زيارة المسؤولين البريطانيين إلى القوقاز، الذين يُعَدّون شريكاً طويل الأمد ومن الدرجة الأولى لباكو من ناحية، ومن ناحية أخرى أظهروا الرغبة في تعزيز التعاون مع يريفان، وقال: تكثيف تحركات الغربيين، بمن فيهم الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، في جنوب القوقاز بالتركيز على المصالحة بين باكو و يريفان، في وضع انخفض فيه تواجد روسيا و تركيزها على المنطقة، رافقها نوع من التآزر بين سياسات علييف وباشينيان، وكأنه يهدف إلى خلق محور غربي في المنطقة وعلى شكل السلام الذي يريد الغربيون أن تكون مبادرته بأيديهم.
وأوضح أن النوايا تهدف إلى الحد من روسيا وإيران، وأشار إلى عرض باشينيان ما يسمى بخريطة “تقاطع السلام” في قمة طريق الحرير في تبليسي، واعتبره عملاً غير بنّاء من قبل باشينيان.
وأكد حسيني أن إيران لديها موقف حازم فيما يتعلق بما يسمى ممر زنغزور وحدودها الجيوسياسية ولا تتنازل في ذلك، وأشار إلى أن طهران لا تربط خطوطها الحمراء بالأفراد.
كما أشار إلى أن باشينيان خسر أرضه وفشل في ساحة المعركة والدبلوماسية، مذكّراً بأنه قام بإصلاحات مماثلة لساكاشفيلي في الحرب ضد الفساد وفي الوقت نفسه نشهد انفتاحات اقتصادية داخل أرمينيا ويتم إنفاق الأموال في هذا البلد وتجري مشاريع إنشائية غير مسبوقة، مما يدل على وجود تدفق للتمويل والدعم.
وذكر أن روسيا، التي كانت حتى وقت قريب تنظر إلى إنشاء ما يسمى بممر زانغزور كفرصة للاستفادة منه في الوضع الحالي الذي أصبح فيه طريقها إلى الغرب محدوداً نتيجة حرب أوكرانيا، أدركت إرادة الغرب الجادة للهيمنة على هذا المحور ومخاوف طهران الصحيحة إزاء السيناريوهات المقبلة. وانتقدت موسكو علناً سياسة باشينيان المتمثلة في النأي بنفسه عن الترتيبات الأمنية العسكرية المتمركزة على روسيا ورغبته في الاستفادة من المزايا الاقتصادية لعضوية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ووصفته بأنه جلوس على كرسيين في نفس الوقت من جانب حكومة يريفان.
وأوضح حسيني أن التوتر الذي شهدناه في العلاقات الظاهرية بين واشنطن وباكو يختلف عما يجري على أرض الواقع وأشار إلى زيارة جيمس أوبراين، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوراسية، إلى باكو والاتفاق الأخير بين باكو ويريفان.
وقال هذا الخبير في قضايا القوقاز إن الرئيس الروسي لديه أيضاً منظور تاريخي للأحداث؛ وكما قال بوتين في اليوم التالي لانقلاب بريجوزين؛ إن هذا الانقلاب هو تذكير بما حدث في الحرب العالمية الأولى، كنا على وشك النصر، وقامت الثورة وخسرنا النصر في الحرب العالمية الأولى… لذلك يمكن الافتراض أن الروس يرون الوضع الحالي في القوقاز مشابهاً لوضع الفترة من 1918 إلى 1921، حيث تأسست ثلاث دول في الفراغ الناجم بعد انهيار الإمبراطورية القيصرية، وكانت باكو مركز نفوذ البريطانيون والأتراك الشباب، وكانت يريفان مركز النفوذ الفرنسي، وكانت تبليسي مركز النشاط الألماني، لكن البلاشفة سرعان ما ضموا الثلاثة إلى أراضيهم وطردوا الأوروبيين. من المحتمل أن تقييم موسكو هو أنها لا تزال تسيطر على معظم الأمور في القوقاز. لكن لا شك أنه في ظل هذه الضجة من التدخلات الخارجية، فإن صيغ مثل ثلاثة زائد ثلاثة، وهي مبادرة سابقة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هي الأنسب لحل مشاكل القوقاز، وهي مبادرة مماثلة لمسار الأستانة، الصيغة التي اصبحت الأكثر نجاحاً في حل الأزمة السورية.
0 تعليق