المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: فكرة تطوير طرق النقل من أجل تعزيز التجارة في الخليج الفارسي والاستغناء عن مضيق هرمز الاستراتيجي قد تشكلت بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي منذ سنوات. ومن أجل تحقيق هذه الفكرة، انطلق ممر النقل بالسكك الحديدية على طول الخليج الفارسي في عام 2016 في شكل إطلاق شبكة السكك الحديدية لمجلس تعاون دول الخليج الفارسي. وبموجب الاتفاق بين الدول الأعضاء في المجلس، كان من المفترض أن تقوم كل دولة من هذه الدول ببناء واستكمال شبكة السكك الحديدية الخاصة بها بشكل مستقل. أخيراً، بعد الانتهاء من جميع الخطوط الوطنية، تقرر إطلاق شبكة دول مجلس تعاون دول الخليج الفارسي من خلال ربط شبكة السكك الحديدية الوطنية لهذه الدول. وبهذه الطريقة سيتم تشكيل شبكة سكك حديدية عربية تربط جميع الدول الست الأعضاء في مجلس تعاون دول الخليج الفارسي عبر خط سكك حديدية يبلغ طوله 2177 كيلومتراً.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
ويعد تصميم مثل هذا البرنامج لبناء وتطوير البنية التحتية اللوجستية أحد أكثر الإجراءات الهادفة والأكثر أهمية للدول العربية للتحرك نحو التنمية المستدامة في المنطقة، مع تجاوز مضيق هرمز وبالتالي تقليل دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مياه الخليج الفارسي فيما يتعلق بمسألة صادرات النفط من هذه الدول إلى أوروبا. ومع ذلك، لم تتمكن جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول خليج الفارسي من دفع هذا المشروع الطموح وفقاً للخطة. انتشار جائحة كورونا واعتماد اقتصاد دول المنطقة على النفط وانخفاض سعر هذا المصدر للطاقة، وغياب التنسيق والتقارب السياسي بين الدول العربية في الخليج الفارسي وعدم تحقيق كيان قانوني موحد، – وهو أمر ضروري لإنشاء أي ممر دولي – كانت من الأسباب التي أدت إلى عدم تنفيذ ممر السكك الحديدية في الخليج الفارسي وفقاً للخطة وعدم وصولها إلى مرحلة الافتتاح. وبطبيعة الحال، فإن الوضع في جميع دول هذا المجلس ليس مماثلاً، فدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانتا دولتين ناجحتين في هذا المشروع، حيث تمكنتا من صياغة إطار منهجي للنقل السككي خلال هذه الفترة وتحقيق إنجازات لافتة.
وعلى هذا الأساس، فإن الاستعداد اللوجستي لهاتين الدولتين العربيتين في منطقة الخليج الفارسي من جهة، وعضوية إحداهما ورغبة الأخرى في الانضمام لاتفاقيات إبراهيم، دفع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي إلى البدء بخطتهما الهادفة لإنشاء ممر جديد من أجل الحد من أهمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والصين وتقليل دورهما المتزايد. فكرة ربط المنطقة بالسكك الحديدية اقترحها الكيان الإسرائيلي في عام 2021 في قمة I2U2 (جمعية مكونة من الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند، التي تأسست أواخر عام 2021) وحظيت بدعم لاحق من قبل إدارة بايدن، إلى أن انعقد اجتماع مجموعة العشرين (G20) في أوائل سبتمبر/ أيلول 2023، وتم الاتفاق بين الهند والسعودية والإمارات وإسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، لإنشاء ممر بحري وسكك حديدية بين الشرق والغرب للعبور تجاري بين الدول الأوروبية وإسرائيل والأردن والدول العربية في الخليج الفارسي والهند. مشروع ضخم لعبور البضائع يبدأ من الهند ويمر بالإمارات والسعودية ويصل أخيراً إلى الدول الأوروبية بالربط مع الأردن والكيان الإسرائيلي. والغرض الواضح والعملي لهذا الممر هو ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا ويؤدي إلى تطوير التجارة والاقتصاد بين البلدان الواقعة على طول الطريق.
إلا أن هذا المشروع يسعى أيضاً إلى تحقيق أهداف سياسية مختلفة؛ ويعد هذا الممر إحدى مبادرات الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وفي نفس الوقت لمنع تزايد النفوذ الصيني في هذه المنطقة؛ وفي الواقع، بما أن منطقة غرب آسيا جزء أساسي من ممر “حزام واحد – طريق واحد” الصيني، فإن الحكومة الأمريكية، خاصة خلال رئاسة بايدن، تحاول تقليل القيمة الاستراتيجية لخطط الصين من خلال اقتراح هذا الممر الجديد. الهدف المهم الآخر لهذا الممر هو إبعاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن طريق عبور رئيسي وتقليل اعتماد النقل العالمي على مضيق هرمز الاستراتيجي. وهذا يزيل إمكانية التهديد بإغلاق مضيق هرمز في أوقات الأزمات من جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية (على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تستخدم هذا التكتيك قط بجدية وكانت دائماً ملتزمة بحرية الملاحة والعبور الدولي) وتحويل مسار الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي وبالطبع الكيان الإسرائيلي، إن أمكن، إلى طريق سريع آمن ومركز ثقل للتجارة الدولية.
وبناء على ذلك، يبدو أن الممر الجديد يشكل ضرراً جسيماً على المصالح الوطنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولذلك لا بد من اتخاذ إجراءات لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن إنشاء هذا الممر، والتي من بينها ما يلي:
– الاستفادة من إمكانية تطبيع العلاقات مع السعودية وتطوير الدبلوماسية والمشاورات السريعة والشاملة مع سلطات هذه الدولة من أجل إبعادها عن إتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بالنظر إلى نتائجه السلبية؛
– مشاورات واسعة النطاق لتعزيز ربط شبه الجزيرة العربية عبر إيران بالممر الشمالي الجنوبي من أجل اتصالات مربحة في الاتجاهين مع أوراسيا والقوقاز وآسيا الوسطى والصين؛
– تخطيط وتحديد استراتيجيات محددة من أجل استخدام القدرات الكبيرة الموجودة في السواحل والموانئ في إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية لاتصالات العبور الثنائية؛
– التشاور بشأن الربط العبوري الثنائي بين ميناء الدمام وميناء الإمام الخميني من أجل تأمين المصالح المشتركة لكل من إيران والسعودية.
– الاستفادة من العلاقات السياسية والقانونية لتشجيع الهند بشكل أكبر على الوفاء بوعودها والتزاماتها تجاه ميناء تشابهار.
– التشاور والتعاون مع الصين للتوصل إلى حل مشترك لمواجهة الأهداف المناهضة لإيران والصين في الممر الجديد.
وبناء على ذلك، يبدو أنه على الرغم من أن إنشاء الممر العبوري الجديد سيضيق المجال الجيوسياسي والجيوستراتيجي لإيران إلى حد ما، إلا أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة دائماً وهناك إمكانية للتشاور والأخذ والعطاء للدول. والنقطة هنا هي أنه لا ينبغي السماح للخطط المناهضة لإيران بالتنفيذ من دون تكلفة أو متاعب بالنسبة للدول المصممة وشركائها، ما لم تؤخذ مصالح إيران في الاعتبار بطريقة أو بأخرى.
0 تعليق