المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: إنشاء ممر زنغزور هو أحد تطلعات الحكومة الأذربيجانية في المنطقة، والذي تسعى جاهدة لدفعه إلى الأمام وتحقيقه. في الحقيقة، بعد حرب قره باغ الثانية (2020)، أثيرت هذه الخطة المستحيلة بقوة أكثر من ذي قبل بسبب "تفسير أذربيجان الأحادي" لاتفاقية باكو ـ يرفان ـ موسكو الثلاثية و "موقف أرمينيا الضعيف" في المنطقة.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
على الرغم من أن المتابعات واتخاذ المواقف حول ممر زنغزور تتم في الغالب من قبل الحكومة الأذربيجانية، لكن الحقيقة هي أن أنقرة مهتمة بهذه القضية أكثر من باكو. إذا كان الممر المذكور هو طريق اتصال ذو وظائف اقتصادية وسياسية لأذربيجان، فهو بالنسبة لأنقرة أبعد من الوظائف الاقتصادية وممر وطريق للاتصال بين شرق وغرب ما يسمى بالعالم التركي.
خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي إلى أذربيجان، أثار أردوغان بجدية مسألة ممر زنغزور. وأثناء عودته من أذربيجان قال للصحفيين على متن الطائرة: “فتح ممر زنغزور قضية مع إيران وليس مع أرمينيا. لقد أزعجنا موقف إيران وأزعج أذربيجان. يجب أن تكون إيران قلقة. نأمل أن يكون لديهم موقف إيجابي من هذه القضية حتى نتمكن من ربط تركيا وأذربيجان وإيران وربما حتى إطلاق طريق يمتد من بكين إلى لندن “.
خلافاً للتصريحات والحجج والسياسات “المعلنة”، فإن ممر زنغزور يعتبر في الحقيقة نقطة وصل “تركستان الكبرى” من منظور أنقرة؛ لأنه إذا كان الغرض من إنشاء زنغزور هو ربط أذربيجان بنخجوان، فقد تم إنشاء هذا الطريق عبر إيران منذ سنوات.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي المعارض الرئيسي لإنشاء ممر زنغزور المزعوم. إن معارضة وعرقلة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لبناء هذا الممر بالطريقة التي تتبعها باكو وأنقرة والتي تؤدي إلى قطع الحدود بين إيران وأرمينيا، لها أساس قانوني وسياسي وأمني قوي؛ لأنه إلى جانب تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة، فهو يهدد أمن وسلامة أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في العامين الماضيين، أعربت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مراراً وتكراراً، رسمياً وغير رسمي، وبطرق مختلفة، عن موقفها الواضح والحاسم بشأن ممر زنغزور المزعوم وفي الحقيقة، هذه المسألة “غير مقبولة” وأحد ” الخطوط الحمراء “للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويبدو أن إحدى النقاط المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار في هذا الصدد هي النظر إلى هذا الممر المزعوم من منظور القانون الدولي ومبدأ “استقرار الحدود”؛ لأن “الحدود” مهمة جداً في العلاقات الدولية لأنها تحدد أراضي وجغرافيا أي بلد. إذا كانت حدود بلد ما غير معروفة وغير مستقرة وقابلة للتغيير أو يتم التلاعب بها لأي سبب من الأسباب، فإن وحدتها الترابية وسياستها وتعاملاتها الخارجية ستكون عرضة للخطر أيضاً. لذلك، فإن “تغيير الحدود” و “تغيير وظيفتها الحقيقية والجوهرية” أمر غير مقبول بالنسبة للحكومات، وفي بعض الأحيان تؤدي هذه المسألة إلى صراعات سياسية وعرقية طويلة الأمد بين الدول. وقد أشارت محكمة العدل الدولية مراراً وتكراراً إلى مبدأ استقرار الحدود كمبدأ قانوني راسخ في قراراتها.
في العديد من الحالات، بما في ذلك الخلاف الحدودي بين بنين والنيجر (2003)، والخلاف الحدودي بين إندونيسيا وماليزيا، والخلاف البحري والأرضي بين نيكاراغوا وهندوراس (1999)، والخلاف الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو (1983)، شددت المحكمة على اهمية “استقرار الحدود” وحتى في هذه الحالات لم تقبل حل الخلافات الحدودية وفق مبدأ العدل والإنصاف ولم تقبله كمبرر لانتهاك مبدأ استقرار الحدود.
على سبيل المثال، في حالة الخلاف الحدودي بين بوركينا فاسو وجمهورية مالي، فإن محكمة العدل الدولية أصدرت قراراً رفضت فيه حتى تغيير الحدود الموروثة من “الفترة الاستعمارية”، على الرغم من أن هذا الحكم يتعارض في الظاهر مع حق تقرير المصير للأمم.
إن “مبدأ استقرار الحدود”، الذي أصبح مبدأ وإجراء قانونياً غير قابل للانتهاك ومعروفاً منذ عام 1986، مهم للغاية بحيث أنه بناءً عليه، يُحترم أيضاً الحفاظ على الحدود الاستعمارية واستمراريتها؛ حدود تم تحديدها خارج إرادة الدول وخلال الفترة الاستعمارية من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية؛ لأن هذا المبدأ هو أحد المتطلبات الأساسية لـ “البقاء” و “التنمية” و “الأمن” و “الاستقلال” للدول.
هذا هو بالضبط المبدأ الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار في قضية ممر زنغزور أيضاً. الحدود بين إيران وأرمينيا، بالإضافة إلى القضايا القائمة الأخرى، تخضع لـ “مبدأ استقرار الحدود” ويجب ألا يتم تغيير طبيعتها أو تفقد أهميتها تحت أي ظرف من الظروف. إن احتمال استبدال هذه الحدود بممر زنغزور المزعوم، الذي تفاصيله وإحداثياته واضحة تماماً، هو “انتهاك صارخ” للإجراءات والمبادئ القانونية والقضائية الدولية المتعلقة بالحدود. وإذا كان الأمر غير ذلك و كان يتم تجاهل مبدأ استقرار الحدود وقواعد القانون الدولي، فكان بإمكان إيران أيضاً أن تطالب بتغيير الحدود في جنوب القوقاز الذي كان يوماً ما جزءاً من أراضي إيران وإعادة الحدود إلى وضعها السابق، وإلغاء معاهدتي “كلستان” و “تركمنشاي” اللتين تم إبرامهما بالرغم من إيران وفي ظل ظروف طارئة.
إنه ادعاء غير قانوني لدولة ما أن تزعم أنها تسعى إلى استعادة حدودها السابقة في حقبة ما بعد الاستقلال بطرق مختلفة. لا يحق لأي دولة تغيير الحدود القائمة لأي سبب ولو “بالقوة القسرية”.
لذلك، فيما يتعلق بممر زنغزور المزعوم، فإن القضية ليست فقط بناء ممر تجاري له وظائف سياسية و…، ولكن القضية الرئيسية هي انتهاك القواعد الدولية ومخالفة القانون الدولي مما يؤدي إلى “تغيير الجغرافيا السياسية” في المنطقة ويهدد الأمن القومي لعدة دول، بما في ذلك إيران، ويخل بالسياسة الخارجية وعملية تأمين المصالح الوطنية وحسن الجوار والاتصالات الإقليمية والمواصلات وغيرها من القضايا ذات الصلة وهو أمر غير مقبول على أي حال.
0 تعليق