المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: ذكر خبير في قضايا البلقان أن الغرب يحاول تركيز كل قوته على قضية الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومن خلال إدارة التوترات بين كوسوفو وصربيا، ومنع فتح قضية جديدة في أوروبا، خاصة ذات طبيعة عسكرية – أمنية وقال: إن التوترات الأخيرة أظهرت أن عملية بناء الدولة القومية في كوسوفو لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه.
في حديث مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار سيد ميثم ميرهادي إلى تصاعد التوترات بين كوسوفو وصربيا وجذورها قائلاً: التوتر الأخير في شمال كوسوفو على الحدود مع صربيا حدث عندما عزم الألبان الفائزون في الانتخابات الأخيرة على الاستقرار في مبنى البلدية وبدء عملهم بشكل رسمي بدعم من الشرطة وقوات الأمن. هذا على الرغم من أن هذه المناطق يسكنها الصرب وأن السكان لا يعترفون بالحكومة المركزية وبالتالي قاطعوا الانتخابات الأخيرة.
وأضاف: أدى هذا الأمر إلى نشوب صراع بين الصربيون في هذه المنطقة وقوات الشرطة والأمن، مما أدى إلى تدخل قوات الناتو المعروفة باسم كي فور (KFOR) والمتمركزة في تلك المنطقة.
تابع هذا الخبير في قضايا البلقان: على الرغم من حقيقة أن جزءاً كبيراً من جذور التوتر في هذه المنطقة يكمن في القضايا التاريخية والعرقية والثقافية لسكانها، فإن جزءاً مهماً آخر من هذه النزاعات، التي تظهر من وقت إلى آخر متقلبةً بين الشدة والضعف، متجذر في ما يسمى بالنظم الذي فرضه الغرب على غرب البلقان بعد انهيار يوغوسلافيا.
وأوضح ميرهادي: في بعض النواحي، يمكن مقارنة النظام في البلقان بالنظام الذي تم تشكيله في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شهدنا ظهور بعض الدول ذات الجغرافيا السياسية الفريدة، مع عدم توازن التعددية العرقية والدينية غير المتجانسة والمتناقضة، فاقدة للعناصر الأساسية للدولة – القومية.
كما تحدث عن دور التدخلات الخارجية ومصالح الدول في التوترات الأخيرة قائلاً: رغم أن العديد من الفاعلين يلعبون دوراً في غرب البلقان وأن هذا التمثيل شهد تقلبات في أوقات مختلفة، لكن يبدو أن أساسه هو مواجهة النزعات الفكرية والحضارية الخاصة بالشرق والغرب.
وأضاف هذا المحلل لقضايا البلقان: يوغوسلافيا بقيادة الجنرال “تيتو” كانت تحاول من خلال نهج غير منحاز أن تعبر هذا البحر المضطرب لهذه المواجهة. لكن بعد انهيار يوغوسلافيا واستقلال جمهورياتها وتشكيل دول جديدة في الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة، شهدنا الاصطفاف المستقل لكل منها تجاه الشرق والغرب. أدى ظهور فاعلين إقليميين ودوليين جدد، من جهة، إلى اشتداد الفجوات في المنطقة، ومن جهة أخرى، حوّل البلقان إلى ساحة لكسب الأنصار والداعمين في مسار النظم الجديد، بحيث قامت كل من هذه القوى بتوسيع علاقاتها وأقامت تبادلات فاعلة في المنطقة، في محاولةٍ لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية ودينية.
وفي معرض شرحه لمواقف الدول الغربية والأوروبية من التوترات الأخيرة، بيّن ميرهادي إنه لا يمكن اعتبار التوترات الأخيرة بأنها تتماشى مع مصالح هذه الدول، وأفاد قائلاً: يبدو أن الغرب مصمم على استخدام كل قوته في التركيز على موضوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولا يرغب أبداً في فتح قضية جديدة، خاصةً ذات طابع عسكري – أمني في أوروبا. على عكس ما كان متفقاً عليه دائماً في المنطقة، والذي يشار إليه على أنه “إمكانية استخدام روسيا لقدرات صربيا وصرب البلقان لخلق مشكلة أمنية في أوروبا”، فيما يتعلق بالتوترات الأخيرة، يبدو أن الكوسوفيين من الأصول الألبانية يريدون معاقبة بريشتينا (عاصمة كوسوفو) من قبل أوروبا.
وعن أسباب التحذيرات والحساسيات الروسية في هذا الصدد، قال: يبدو أن روسيا، بالإضافة إلى العلاقات الثقافية التي تربطها بصربيا، في الأزمة التي تواجهها مع الغرب بشأن القضية الأوكرانية، ترى صربيا على أنها فاعل داعم في قلب أوروبا الموحدة المعادية لروسيا، ويرى أنه يمكنه استخدامها كمنفذ للتنفس السياسي والاقتصادي.
وفقاً لهذا الخبير في قضايا البلقان، فإن الروح المعادية للإمبريالية لدى الشعب الصربي والتجربة المريرة التي مروا بها أثناء قصف الناتو لبلغراد ستساعد بالتأكيد على التماهي بين الاثنين؛ العامل الذي يمكن اعتباره مهماً لموسكو في مجال استقطاب الرأي العام. كما يجب ألا ننسى أن أي أزمة في هذه المنطقة، سواء لعبت روسياً فيها دوراً أم لا، يمكن أن تغيّر معادلات الحرب بين روسيا وأوكرانيا تماماً من خلال فتح جبهة جديدة لأوروبا وأمريكا.
وصرح ميرهادي أن التوترات في منطقة البلقان لن تختفي بسبب التركيبة المصطنعة للسلام فيها، وإن كانت هناك عناصر يمكن أن تشددها أو تقلل من حدتها، مضيفاً: في الوضع الحالي، أوروبا ليست في وضع تسمح فيه باستمرار النزاعات في كوسوفو وستحاول تهدئة الوضع من خلال تطبيق طرق حل مختلفة. يبدو أن مثل هذا الوضع يوفر الدعم لبلغراد حتى تتمكن من طلب تنازلات تكون مؤثرة في مفاوضات بريشتينا وبلغراد المستقبلية من أجل المساعدة في السيطرة على الأزمة وتخفيف التوتر.
وقال: إن التوترات الأخيرة أظهرت أن عملية بناء الدولة القومية في هذا البلد لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه. في حالة حدوث توتر في إحدى دول غرب البلقان، ستدخل الدول المجاورة في صراعات شاءت أم أبت، وتتعرض البوسنة والهرسك لأعلى احتمال لمواجهة مثل هذه المشكلة.
وأضاف ميرهادي: ربما، من ناحية، ستؤدي هذه القضية إلى تسريع عملية انضمام هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ولكن من ناحية أخرى، على الرغم من السياسات المعلنة، يمكن مشاهدة تردد وتذبذب القادة الأوروبيين بوضوح بشأن كيفية اتخاذ القرار تجاه مصير دول البلقان التي ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
0 تعليق