المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي الضيف: أدى تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، على الرغم من التوتر المستمر منذ عدة عقود في العلاقات بين إيران والسعودية، إلى ظهور تكهنات جديدة حول آفاق العلاقات بين البلدين. رغم وجود العديد من القضايا الخلافية بين إيران والسعودية، إلا أن هناك مخاوف وآمال كثيرة بشأن نتائج استئناف العلاقات بين طهران والرياض وآثارها وتداعياتها الإقليمية؛ لكن مع الظروف الحالية، يبدو أن الدوافع المؤثرة في تحسين أجواء التعاون بين إيران والسعودية وحل القضايا الإقليمية أقوى من التحديات والشكوك في هذا الصدد.
عباس أصلاني ـ خبير في الشؤون الدولية
إيران والسعودية قوتان إقليميتان يمكن لتوجهاتهما الدولية أن تلعب دوراً مهماً في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط والسلام والاستقرار الإقليميين ونتيجة لذلك، ومن خلال التغييرات الإقليمية، يمكن أن تؤثر أيضاً على الجغرافيا السياسية العالمية.
المستقبل القادم
بالنظر إلى التقلبات العديدة في تاريخ العلاقات الإيرانية السعودية، يجب على المرء أن يظل حذراً بشأن التنبؤ بمستقبل العلاقات. على وجه الخصوص، على الرغم من الإرادة التي تشكلت في طهران والرياض لتطبيع العلاقات، فإن احتمال تدخل اللاعبين الآخرين وعوامل سلبية أخرى غير مستبعد. في العقود الماضية، استفادت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى أقصى حد من تدهور الأجواء أو تقويض العلاقات بين إيران والسعودية.
في هذا السياق، فإن أحد السيناريوهات القادمة في المنطقة هو التطورات غير المتوقعة الناجمة عن تأثير السياسات الشرق أوسطية الجديدة للولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها التقليدية في المنطقة، وكذلك السياسات الإقليمية الجديدة للكيان الصهيوني باعتباره لاعباً مخرباً في المنطقة.
مع ذلك، من منظور محافظ، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً في المستقبل للعلاقات بين إيران والسعودية هو فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين، والذي يمكن أن يؤدي على الأقل إلى تخفيف جزئي للتوترات في المنطقة من خلال اعتماد نهج براغماتي.
مجالات تحسن العلاقات
من المبادئ الثابتة في العلاقات الدولية وعلوم الاتصال، وهو أساس نظريتي الوظيفية والتقارب، أن إنشاء التقارب الرمزي يؤدي إلى تكوين الدوافع والفهم المشترك وبالتالي، تطور أشكال التعاون وأساليب التقارب والعلاقات الديناميكية. حتى لو بدا هذا التقارب مستحيلاً في المرحلة الأولى، يمكن اختبار هذا المبدأ في العلاقات بين إيران والسعودية. على وجه الخصوص، هناك عامل باسم الصين التي أظهرت في تحركاتها الأخيرة أن لديها دافعاً قوياً لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية كشريكين إقليميين لها.
تحسين العلاقات بين إيران والسعودية رهن لخطوات تدريجية ومرحلية. الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبعض وتقليل مؤشرات العداء في المواقف والتوجهات. هذا الموضوع هو أحد مندرجات الإعلان المبرم بين طهران والرياض.
إيران والسعودية قوتان إقليميتان مهمتان لهما مجال نفوذ واسع ولهما حلفاء لا ينفصلون عنهما في المنطقة. لم تؤدِ عدة عقود من التوتر في العلاقات بين طهران والرياض إلى القضاء على مناطق نفوذ البلدين. قبول هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى في التفاهم لتجنب المزيد من المواجهة والتركيز على نقاط ومجالات التعاون.
في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي المزيد من التركيز على القيم الإسلامية والسلام والاستقرار الإقليميين ومعارضة المشاريع الانفصالية في المنطقة إلى إعادة بناء الثقة بين إيران والسعودية.
أبعاد التعاون المحتمل
في أجواء المنافسة بين الدول، هناك دائماً نقاط للاتفاق والتعاون. العلاقة بين إيران والسعودية ليست استثناء من هذه القاعدة. بمعنى أنه في مجالات الصراع، هناك نقاط لبناء التعاون والمصالح المشتركة بالنسبة لإيران والسعودية.
على المستوى الإقليمي، فإن الأحادية في منطقة الشرق الأوسط تضر بالبلدين. من أهم مجالات التعاون وأشدها إلحاحاً هو استخدام الثقل السياسي للبلدين لحل النزاعات القائمة. إن توفير أسس لمفاوضات السلام في اليمن، وتخفيف التوترات السياسية في العراق ولبنان، وتمهيد الطريق لعودة سوريا إلى العالم العربي، وتقليل التوتر العسكري في الخليج الفارسي، هي مما يمكن تحقيقها من خلال تعزيز الحوار وبناء الثقة بين إيران والسعودية.
على المستوى الثنائي، يمكن لإيران والسعودية أيضاً وضع خطط مشتركة للتعاون الثنائي. يمكن أن يساعد تشكيل اللجان أو مجالس التعاون على مختلف المستويات ومجموعات الصداقة والغرف التجارية المشتركة في بدء التعاون. يمكن أن يكون تسهيل التعاون العلمي والأكاديمي، والسياحة، وتقديم الخدمات الفنية والهندسية، وتسهيل العلاقات التجارية بين القطاعين الخاص والمشاريع المشتركة العامة والخاصة من بين الأشكال الأساسية للتعاون.
التعاون في جميع الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك الصناعات والمناجم والنفط والبتروكيماويات والزراعة والثروة الحيوانية والصحة والنقل والاتصالات والإسكان والتنمية العمرانية والخدمات الفنية والهندسية، هو ما تم الاتفاق عليه في إطار الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني والعلمي والثقافي والرياضي والشبابي المبرم بين الجانبين في عام 1998. وقد تمت إعادة التأكيد على هذه التوافقات في وثيقة إعادة العلاقات بين طهران والرياض في مارس 2023.
إن تطوير التعاون الأمني من خلال توفير أرضية تنفيذ الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية بين إيران والسعودية المبرمة في عام 2001 هو أيضاً إحدى الخطوات الأخرى للانتقال من نموذج المواجهة إلى نموذج التفاعل بين البلدين. وتناولت هذه الاتفاقية مناقشة قضايا التعاون بين البلدين في مجالات تبادل البيانات الأمنية، ومكافحة الجريمة المنظمة، والإرهاب الدولي، ومكافحة الجرائم الاقتصادية من خلال مكافحة غسيل الأموال. كما يشمل التعاون في محاربة تهريب الأسلحة والبضائع والآثار التاريخية والثقافية وتزوير الوثائق الحكومية ومكافحة تهريب المخدرات وتسهيل تنقل مواطني البلدين والاستفادة من الخبرات الأمنية و تدريب عناصر الأمن.
تعاون متعدد الأطراف؛ يمكن أن يكون التعاون في إطار الاتفاقيات متعددة الأطراف والمنظمات المشتركة بعداً آخر للتعاون بين إيران والسعودية. يمكن أن يكون التعاون بين إيران والسعودية في مجال النقل أحد الأشكال الجديدة لممر الشمال – الجنوب، والذي يعتبر السوق المستهدف له هو جنوب آسيا وكذلك السوق الأفريقية الكبيرة. يبدو أن الصين تولي اهتماماً خاصاً للثقل الجيوسياسي لإيران والسعودية لدفع خططها الإقليمية والاقتصادية إلى الأمام. يمكن للعضوية المتزامنة لإيران والسعودية في منظمة شنغهاي للتعاون ومبادرة الحزام والطريق الصينية أن تعزز أيضاً فرص التعاون في مجال النقل في إطار العلاقات الإيرانية السعودية.
0 تعليق