المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرح محلل للقضايا الدولية أنه لا يوجد مؤشر على نهاية الحرب في أوكرانيا في الوضع الحالي مؤكداً: "اليوم، قد انهارت معادلات الماضي والنظام الدولي الجديد قائم على التعددية والحيادية ويعتمد على الإقليمية التي تتعاون فيها القوى الإقليمية وفي نفس الوقت تتنافس مع بعضها البعض على المستوى الدولي".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، إذ أشار حسن بهشتي بور إلى مواقف الدول الغربية في الذكرى السنوية الأولى للهجوم الروسي على أوكرانيا وزيادة مستوى العداء بين الشرق والغرب، أوضح العلاقات الجيواقتصادية والجيوسياسية والتاريخية والدينية والعرقية والثقافية بين روسيا وأوكرانيا قائلاً: “تمتلك روسيا حوالي 1580 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا، ويرتبط أمن البلدين ببعضه ارتباطاً وثيقاً. كانت لأوكرانيا علاقة وثيقة مع روسيا لمدة 12 قرناً وحاربت إلى جانب روسيا في حربين مهمتين”.
وذكر أن زبغنيو بريجينسكي كان قد صرح في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” الصادر عام 1997 أنه “إذا أردنا أن ننجح ضد أوراسيا التي تشكل تهديداً للغرب، يجب أن نبعد روسيا وأوكرانيا عن بعضهما”، مضيفاً: “من وجهة نظر بريجينسكي لا يمكن لروسيا أن تعيش بدون أوكرانيا. لذلك، وبالنظر إلى التطورات التي حصلت، شعرت روسيا بالتهديد من أوكرانيا من جميع النواحي، وقد فهم الجميع هذا الشعور”.
وأكد محلل الشؤون الدولية أن روسيا بمهاجمتها أوكرانيا قد ارتكبت نفس ما كانت تنتقد بسببه الولايات المتحدة وهو تجاهل الآليات الدولية بغزو أفغانستان واختيار الأحادية بدلاً من التعددية، قائلاً: “كانت روسيا تعول على 17 مليوناً أوكرانياً من أصل روسي، وظنت أنه يمكن توظيفهم والإطاحة بحكومة زيلينسكي بضربة خاطفة؛ مع ذلك، على الرغم من أن الأوكرانيين كانوا يعيشون حالة انقسام، أدى العدوان العسكري إلى توحيدهم؛ كما أن قادة أوكرانيا لم يهربوا من كييف خلافاً لتوقعات روسيا. مقاومة الأوكرانيين ألحقت هزيمة كبيرة بالجيش الروسي في محيط كييف واضطر للانتشار في الشرق”.
وإذ ذكر بهشتي بور أن أوكرانيا عانت أكثر من الآخرين من جراء الحرب، أشار إلى الأعداد الكبيرة للنازحين والمهجرين في هذا البلد مردفاً: “لقد تمكنت روسيا من إدارة أزمتها الاقتصادية الحادة وحاولت منع سقوط الروبل، لكن هروب رأس المال مستمر بقوة. كما أنه بسبب العقوبات، انخفض الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي لهذا البلد بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من الإدارة التي يمارسها فريق بوتين، فإن هذه القضايا ستضع البلاد في مواجهة مشاكل أساسية على المديين المتوسط والبعيد”.
أكبر الرابحين و الخاسرين في حرب أوكرانيا
ولفت إلى أزمة الغذاء العالمية والعديد من الأزمات في أوروبا قائلاً: “الولايات المتحدة هي الرابحة في هذه الحرب وتواصل استغلال فوائدها الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية. فقد زادت واشنطن صادراتها من الغاز بنسبة 20٪ . من جهة أخرى، فإن دولاً مثل السويد وفنلندا، اللتين كانتا محايدتين لسنوات طويلة، بدأتا رسمياً عملية انضمامهما إلى الناتو مما يعني بدء توسع الناتو نحو روسيا من الشمال”.
واعتبر الخبير في القضايا الدولية الصين بأنها المستفيد الثاني من التطورات التي سببتها الحرب في أوكرانيا وأضاف: “الصين تتلقى الآن النفط والغاز الرخيصين من روسيا ولم تتخذ الكثير من المواقف السياسية لصالح موسكو؛ لأن اقتصاد هذا البلد مرتبط بالولايات المتحدة. في هذه الفترة، حققت السعودية كذلك أرباحاً طائلة مع ارتفاع أسعار النفط وتمكنت من اتخاذ خطوات لتنفيذ خططها طويلة الأمد”.
وذكر بهشتي بور: “تم تقديم العديد من خطط السلام، لكن يبدو أنه لا يوجد ما يشير إلى نهاية الحرب وللأسف، ستستمر الحرب لمدة ستة أشهر على الأقل. أننا اليوم نرى نظاماً دولياً مختلفاً عما كان عليه قبل الحرب”.
وقال موضحاً: “يستند النظام الجديد إلى التعددية وعدم الاستقطاب ويعتمد على الإقليمية التي تتعاون فيها القوى الإقليمية وفي نفس الوقت تتنافس مع بعضها البعض على المستوى الدولي. في الماضي، كانت القوى في حالة منافسة كاملة وتسعى إلى تدمير بعضها البعض؛ لكن اليوم ليس النظام الدولي ثنائي القطب. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد قوة لتدمير الجانب الآخر، وقد تقدم الاقتصاد والسياسة والأمن بشكل كبير في مجال الرقمنة والعولمة وهي تدفع بالعالم إلى الأمام بطريقة لا تسمح لأي جانب أن يسعى إلى القضاء على الجانب الآخر؛ لأن هذا الإجراء سيعني في الحقيقة تدمير ذاته”.
وإذ أشار الخبير في القضايا الدولية إلى ارتباط وتشابك المصالح في النظام الدولي الجديد ونشوء أقوى منافسة بين الصين والولايات المتحدة، قال فيما يتعلق ببعض التحليلات التي تشير إلى سعي الولايات المتحدة إلى توريط إيران والصين في ساحة معركة روسيا ضد أوكرانيا أو إثارة حرب عالمية: “من المؤكد أن من مصلحة بعض الأطراف إثارة حرب، بما في ذلك حرب عالمية، لكن الحقائق تظهر أنه لا توجد أرضية لإثارة حرب عالمية، لسبب مهم و هو ترابط مصالح القوى العالمية مع بعضها. تستثمر الصين اليوم 2000 مليار دولار في الولايات المتحدة، وبلغ حجم علاقات الولايات المتحدة التجارية مع الصين في عام 2022 وحده إلى 400 مليار دولار. ليس بمقدور العالم اليوم أن يتجاهل الصين”.
وذكر بهشتي بور أن الولايات المتحدة استثمرت حوالي 3200 مليار دولار في الصين، مضيفاً: “رغم أنه قد تكون هناك مواجهات بالوكالة ومحدودة ومرحلية بينهما، لا يبدو أننا سنشهد صراعات واسعة النطاق؛ لأن مصالحهم عالمية. خلال الحربين العالميتين لم تكن المصالح مقسمة بعد وكانت الأطراف تريد المزيد من كعكة القوة، لكن في العصر الرقمي تم تحديد المصالح والقوى العظمى حددت مجالات مختلفة لبعضها البعض، والتي نشهد فيها في بعض الأحيان المنافسة وفي أحيان أخرى التعاون”.
وأشار الخبير إلى مصالح شركات تصنيع الأسلحة الكبيرة في إثارة الحرب وانتقد التحليلات القائمة على عقلية الحرب الباردة مردفاً: “اليوم، قد انهارت معادلات الماضي ونحن نشهد تشابك المصالح. لم يعد الشرق والغرب، بمعناهما السابق، موجودين والعالم قائم على رأسمالية متعددة الجنسيات. بالطبع، تسعى الدول وراء مصالحها الوطنية، لكن الاقتصاد والأعمال لهما طابع عابر للحدود الوطنية. في الشرق، للصين والهند تعاون مكثف مع الولايات المتحدة، وبالتأكيد ستبدأ روسيا في تعزيز العلاقات مع الأمريكيين بعد نهاية الحرب. يجب قبول هذه الحقائق في العلاقات الدولية”.
0 تعليق