المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: للتنافس والتوتر بين الصين والولايات المتحدة أهمية وتداعيات عالمية، كما لها آثار على العلاقات مع القوى الأخرى بل وحتى مع المنظمات والتكتلات الدولية مثل مجموعة العشرين والأمم المتحدة والوكالات التابعة لها.
بوريا نبي بور ـ دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
في الآونة الأخيرة، توسَّع التنافس المستمر بين الولايات المتحدة والصين إلى جميع المجالات الإستراتيجية، السياسية والعسكرية والاقتصادية منها. من وجهة نظر الصين، لن تتنازل الولايات المتحدة طواعية عن نفوذها الدولي الكبير لصالح الصين. فإحدى القضايا التي يبدو متفقاً عليها داخل الصين، هي توقع استمرار التوجه الإستراتيجي الأمريكي تجاه الصين، من ترامب إلى بايدن، بدون أي تغيير يُذكر. ورغم اعتراف الخبراء الصينيين بأن إدارة بايدن تستخدم لهجة أقل حدة وتوجهاً أكثر ليونة للتعامل مع المشاكل، لكنهم يتوقعون أن تلجأ الولايات المتحدة والغرب إلى أساليب مختلفة من بينها توظيف ورقة حقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية للصين وزيادة العقوبات عليها والتشكيك في حق سيادتها على هونغ كونع وتايوان بغية توجيه ضربات لها، كما يتوقعون أن تبقى جذور العداء الأمريكي تجاه الصين قائمة. لذلك، يبدو أن بكين تستعد لمواجهة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة التي لا تزال قوية وخطرة رغم أفولها؛ مواجهة تهدف إلى التصدي للغرب والولايات المتحدة. في المقابل، تنظر الولايات المتحدة إلى الصين كقوة تعديلية (revisionist actor) يتمثل هدفها طويل الأمد في تحقيق تفوق عالمي. وهذا موضوع متفق عليه كمبدأ بين الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة.
بالنظر إلى رئاسة الصين المقبلة لمجموعة بريكس ودورها الإستراتيجي في الاقتصاد العالمي، ستشكل المنافسة الاقتصادية والتوترات حول السياسات التجارية والاقتصادية والمالية، الأبعاد الحقيقية للمنافسة. كما سيتعمق البعد التكنولوجي للمنافسة، والذي يرتبط أيضاً بالمسائل الجيوسياسية بمعناها التقليدي؛ وفي الواقع، ستصبح نفس مجالات التأثير السياسي هذه المرة مجالات تأثير تقني على المنتجات والخدمات الرقمية. في هذا الصدد، ترتبط القضايا المتعلقة بتطوير واستخدام التقنيات بشكل متزايد بالجوانب السياسية والأيديولوجية، وتصبح جزءاً من معارضة أو منافسة منهجية؛ على سبيل المثال، نوع العلاقة بين الدولة والمجتمع، أو المنافسة العالمية بين النماذج الليبرالية والديمقراطية من جهة، والسلطوية من جهة أخرى.
ستكون رئاسة الصين المقبلة لمجموعة بريكس ذات أهمية كبيرة في إنشاء جبهة دولية قوية لتحسين مستوى ونطاق التعاون الإستراتيجي في الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية بما يتماشى مع أهداف الصين وتوسيع نفوذها، مما قد يؤدي في النهاية إلى إضعاف العالم أحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة في الغرب وأسس الأحادية؛ الأمر الذي سيلعب دوراً فعالاً في موازنة التفاعلات المتعددة الأطراف والإرادة العالمية لإقامة علاقات متكافئة على أساس السلام والتنمية بين الدول. وسيكون التعاون الأمني والثقافي والتكنولوجي ومكافحة الإرهاب في إطار بريكس تحت رئاسة الصين مكملاً للتفاعلات الاقتصادية.
ليس من السهل التمييز بين أهداف بكين الإستراتيجية على المديين المتوسط والطويل، والتي أصبحت واحدة من أهم النقاشات في الخطاب الغربي حول الصين و موضوعاً للعديد من التحليلات على المستوى الأكاديمي. مع ذلك، من الواضح أن بكين ترى نفسها تتقدم على طريق يؤدي إلى ازدهار التعاون الإستراتيجي في الشرق، وإعادة بناء الصين كلاعب مركزي في آسيا وقوة رائدة على الساحة العالمية ودولة تتمتع بقدرة أكبر على تشكيل القواعد والمعايير والمؤسسات الدولية بما يتماشى مع تفضيلاتها. وبينما لا تزال الولايات المتحدة تتبنى نهجاً أحادياً في سلوكياتها، يعتقد قادة الصين – باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم – أن السياسة والعلاقات الخارجية لهذا البلد يجب أن تدعم أهدافها الوطنية خاصة التنمية المستدامة. لذلك فإن بكين، إدراكاً منها لمشاكل العالم، تحاول التغلب على العقبات قصيرة المدى أولاً لتحقيق أهدافها طويلة المدى.
لن يقتصر التعاون الواسع في إطار بريكس تحت رئاسة الصين على الشؤون الاقتصادية فقط؛ حيث أن هذا التعاون يمهد من جهة الطريق لتنامي نفوذ الصين، ومن جهة أخرى وفي سياق التطورات الإقليمية والدولية، يحدث تغييراً في التوازن الإستراتيجي لصالح الدول المستقلة التي لديها اهتمامات وفرص وتهديدات مشتركة لتكون محوراً فعالاً للتعاون السياسي والأمني والاقتصادي لدول المنطقة كذلك.
بشكل عام، يمكن أن يكون نموذج التعاون في إطار بريكس تحت رئاسة الصين رمزاً للتعاون الدولي القائم على الاحترام والإرادة السياسية المستقلة، والذي يمكن أن يوفر تضافراً فعالاً من أجل خلق فرص تعاون ثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول النامية والقوى الإقليمية. في الوقت نفسه، يمكن لقيادة الصين لعدد من الاقتصادات الناشئة الأعضاء في البريكس أن تؤدي إلى تدعيم مختلف جوانب الاقتصاد الصيني ونتيجة لذلك، تعزيز قدرة البلاد على التنافس مع الولايات المتحدة اقتصادياً.
0 تعليق