المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: يجب أن لا تُعتبَر التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في مقابلة مع تلفزيون "الغد" المصري بأنها تمثل إرادة الشعب والنظام السياسي العراقيين.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية
إن ما يمكن قوله وفق المعطيات الحقيقية من داخل المجتمع العراقي هو أن الأجواء السياسية والاجتماعية والثقافية العراقية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغم الخلافات التي توجد أحياناً بين وجهات النظر، هي أجواء “جيدة ومطلوبة وشاكرة”.
قال وزير الخارجية العراقي في مقابلة مع القناة المصرية: “أقولها بصراحة؛ إننا نتباحث مع دول الجوار لكن لا نقبل بتدخلها في شؤون بلادنا الداخلية. العلاقة مع إيران هي علاقة بلدين جارين، لكن يجب أن يُتخذ القرار العراقي في بغداد وليس في عاصمة أخرى”.
في ما يتعلق بتصريحات فؤاد حسين، يجدر الإشارة إلى بعض النقاط:
النقطة الأولى؛ التصريحات التلميحية لوزير الخارجية العراقي تتهم إيران بشكل ضمني بالتدخل في شؤون العراق، بينما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وغيره من دول الجوار. لأنه وفقاً لمبادئ السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتحقق المصالح الوطنية والإقليمية للبلاد من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
النقطة الثانية؛ يقوم تعامل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع جيرانها الذين يُعَدّ العراق من أهمها، على “أساس منطقي” ومبادئ محددة مثل حسن الجوار، والتعايش السلمي، وإزالة التهديدات الناعمة والصلبة، وإزالة التوترات، والتكامل مع الدول المعنية، والمساعدة على حل الأزمات والمشاكل والتحديات الداخلية لتلك الدول، والسعي إلى إبعاد العوامل المهددة لأمن ومصالح الجيران، ما يحقق في نهاية المطاف مصالح الجانبين.
النقطة الثالثة: العراق دولة مهمة وله مكانة مميزة بين جيران إيران بسبب وجود المشتركات التاريخية والحضارية، والدينية، والثقافية، والاجتماعية، ووحدة المصير، والمصالح الجيوسياسية وكذلك المخاطر والمخاوف المشتركة خاصة الأمنية؛ الأمر الذي تسبب في اهتمام خاص دائماً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذا البلد الجار وإيلاء إيران أهمية بجيوسياسة العراق، ووحدة أراضيه، وهيكليته السياسية، وتطوراته الداخلية وسلوكه الإقليمي والدولي.
بالنظر للتأثير المباشر لتطورات العراق وأمنه ومصالحه الوطنية وتطوراته الجيوسياسية على إيران، فليس بإمكانها أن تبقى “متفرجة” و “غير مكترثة” إزاء تطورات العراق. تعتبر إيران أي تهديد من داخل العراق وخارجه ضد العراق تهديداً لنفسها ومن جهة أخرى، ترى إرساء السلام والاستقرار والأمن فيه باتجاه أمنها ومصالحها الوطنية.
النقطة الرابعة: خلال العشرين عام الماضية منذ عهد الاحتلال الأمريكي ثم الانتقال السياسي وخاصة في السنوات الأخيرة التي تعرض هذا البلد لأكبر تهديد لوحدة أراضيه من قبل داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية ـ التكفيرية، كانت الجمهورية الإسلامية هي الدولة الوحيدة على مستوى المنطقة والعالم التي وقفت “بصدق” إلى جانب العراق حكومة وشعباً ووفرت بتنسيق مع الحكومة العراقية دعماً سياسياً واقتصادياً واستشارياً وميدانياً ملحوظاً لهذا البلد. وكان لهذا الدعم دوراً حاسماً في الاستقرار والأمن اللذين قد استتبا اليوم في العراق. يمثل اغتيال الشهيد سليماني على أرض العراق خير دليل على “مساعي إيران العميقة” وعلى أعلى مستوى لحل مشاكل العراق الداخلية، وفضح المخططات الخطيرة للولايات المتحدة وحلفائها لإثارة الحرب والفوضى والفرقة بين الأحزاب والتيارات المختلفة في العراق من جهة أخرى.
النقطة الخامسة: أداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق والذي له أبعاد مختلفة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وأمنية واجتماعية و …، ينبع من “ضرورة الجوار والجيوسياسية” ولا يعني أبداً التدخل في شؤون العراق الداخلية. ويجدر بالذكر أن الفرص والمنافع الناجمة عن الإجراءات الإيرانية خدمت في الوهلة الأولى العراق حيث تأتي في مقدمتها تسهيل عملية بناء الدولة – الأمة وتخطي الأزمات المعقدة الأمنية والسياسية والاقتصادية و…، والحؤول دون تقسيم العراق وإحباط عدد كبير من المؤامرات الأمريكية – الصهيونية في هذا البلد.
النقطة الأخيرة
العراق دولة في طور الانتقال والجمهورية الإسلامية الإيرانية ستبقى إلى جانب العراق في ظروفه الصعبة من منطلق وحدة المصير وطبيعة العلاقات مع العراق التي تتجاوز عامل الجوار والقواسم المشتركة العميقة التاريخية والدينية والثقافية و… بينهما وبدون الاكتراث بأي تهم ومغامرة وإثارة أجواء نفسية تنشأ أساساً من أجندات خارجية.
ينبغي على المسؤولين العراقيين توخي الحذر تجاه ما يثيره لاعبون إقليميون وقوى عالمية بما فيها الولايات المتحدة، والتنبه إلى أنه في الوقت الراهن لا شيء يفوق مصالح الشعب العراقي وتحقيق الأمن والاستقرار السياسي في العراق. لذلك، يجب تجنب الخوض في القضايا السياسية التافهة التي قد تتحول إلى “ذريعة” للدول والقوى المعادية التي تهدف إلى تخريب العلاقات بين البلدين.
من جهة أخرى، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصفتها جارة وصديقة للعراق، تتوقع من المسؤولين العراقيين عدم السماح بتحول بلادهم إلى مكان لتهديد الأمن القومي الإيراني خاصة وأن العراق محط اهتمام اللاعبين الإقليميين والدوليين المخربين من أجل استغلاله سياسياً وأمنياً وعسكرياً تحت أي ثمن. وفي حال ظهور تهديد من داخل العراق ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي لن تتردد لحظة في قمع من يأمر بذلك التهديد وينفذه.
0 تعليق