المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في ظل الظروف التي يشهد فيها الكيان الصهيوني أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وما إلى ذلك وضعاً صعباً لم يسبق له مثيل خلال خمس وسبعين عاماً الماضية بحسب تصريح قيادات الكيان نشهد تحركات بعض الدول العربية المهمة بما فيها العراق لمواجهة استراتيجية تطبيع علاقات الكيان الصهيوني مع الدول العربية والإسلامية.
حميد خوش آيند ـ خبير في القضايا الإقليمية.
مصادقة قانون يجرم العلاقات مع الكيان الصهيوني في العراق
يعد العراق من أهم الدول العربية والإسلامية منذ الماضي البعيد نظراً لخصائصه الأيديولوجية،وثقله الجيوسياسي العالي وقدراته الاقتصادية المحتملة فضلاً عن بيئته السياسية والثقافية المحددة التي يرغب فيها الكيان الصهيوني دائماً لإقامة العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات الخارجية.
لقد كان اختيار العراق لتطبيع العلاقات الثنائية خياراً “هادفا” بالنسبة للكيان الصهيوني؛ فمن ناحية يعد العراق تاريخياً أحد المراكز الرئيسية للتشيع والمعرفة الدينية والإسلامية في العالم ومن ناحية أخرى يمتلك العراق أطول حدود إقليمية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين الدول المجاورة لها لذلك تلعب تطوراته دوراً هاماً في قضايا إيران السياسية والأمنية مثل الحفاظ على الأمن وسلامة أراضيها والتصدي للإرهاب. بناء على ذلك حاول النظام الصهيوني خلال السنوات الأخيرة إدخال العراق في عملية التطبيع وذلك بطرق مختلفة والتي وصلت بالطبع إلى طريق مسدود إلى حد كبير بقرار صدر عن البرلمان العراقي مؤخراً.
وبموجب القانون الجديد الذي أقره البرلمان العراقي فإن محاولات التعاون سياسياً وأمنياً واقتصادياً وفنياً وثقافياً ورياضياً وعلمياً مع الكيان الصهيوني تحت أي مسمى تعتبر جريمة ويعاقب عليها بالإعدام. يسري هذا الحظر على جميع العراقيين المقيمين داخل البلاد وخارجها بمن فيهم المسؤولون والموظفون الحكوميون و طواقم الخدمة المدنية والعسكريون والمدنيون في الخدمات العامة والرعايا الأجانب المقيمون في العراق فضلاً عن جميع الجهات الحكومية والحكومات الإقليمية والبرلمانات ووكالاتها إضافة عن وسائل الإعلام العراقية والشبكات الاجتماعية ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني و غيرها من الشركات الخاصة والمستثمرين الأجانب العاملين في العراق.
أهمية قانون حظر التطبيع
كما يتضح من التشريع الأخير للبرلمان العراقي فإن الغرض الرئيسي من قانون حظر التطبيع هو منع أي محاولة لتطبيع العلاقات الثنائية مع الكيان الصهيوني على المستويين الحكومي وغير الحكومي في جميع مجالات الوجود من خلال “الآليات القانونية” التي لها “أهمية استراتيجية” لأنه في حالة تفعيله والإشراف على تنفيذه تنفيذاً جيداً يشكل عائقاً قوياً أمام تقدم عملية التطبيع في العراق.
علاوة على ذلك يمكن لهذا القانون بصفته إجراء قانوني أن يخلق “نموذجاً فعالاً” للتعامل مع الدخول المحتمل للبلدان العربية ضمن الدول المطبّعة من خلال انضمام البلدان العربية والإسلامية الأخرى من غرب آسيا إلى شمال أفريقيا والإسلامية إليها. على سبيل المثال في غضون الأيام القليلة الماضية فضلاً عن تمرير تشريعات مماثلة في اليمن ظهرت مطالب بإقرار قرارات مماثلة وكذلك تجريم العلاقات مع الكيان الصهيوني في المراكز التشريعية للدول الأخرى بما في ذلك تونس وتشاد ولبنان وسوريا والجزائر وفلسطين المحتلة.
تداعيات حظر التطبيع
الحالات التي سبق ذكرها على أنها أهمية للقانون الذي يحظر التطبيع، في الوقت نفسه يمكن اعتبارها “تداعيات” لهذا الأمر. لكن النتيجة الاستراتيجية الأكثر أهمية للقانون أعلاه هي أنه إذا تم “تنفيذ” القانون الذي يحظر التطبيع أو تجريم العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل إيجابي وفعال فإنه سيقوّض اتفاق إبراهيم الذي أقام الكيان الصهيوني اعتماداً عليه علاقات رسمية ودبلوماسية مع أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في نهاية إدارة ترامب.
من شأن إقرار مثل هذا القانون أن يعرقل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إخراج القضية الفلسطينية من جدول أعمال العالم العربي والدول الإسلامية وأن تظل فلسطين القضية الأولى في العالم الإسلامي والدول العربية.
إن إفشال المعركة السياسية والدبلوماسية للكيان الصهيوني في “اكتساب الشرعية” سياسياً وقانونياً هو نتيجة هامة أخرى للقانون الذي يحظر التطبيع في حين أنه على الرغم من مضي عقود من الاحتلال وكذلك كل الإجراءات التشجيعية والتهديدية يظل اكتساب شرعية بشكل جزئي والحفاظ عليها هما أولوية قصوى بالنسبة لتل أبيب في العلاقات الخارجية.
كما أنه “يزيد من تكاليف” الاقتراب من الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات مع تل أبيب بين الحكام والتيارات السياسية في بعض الدول العربية.
الكلمة الأخيرة
لقد بذلت إدارة بينيت التي تعيش حالة متدهورة مضطربة قصارى جهدها في المجالات الصعبة والناعمة لتجاوز الأزمة والحفاظ على استمرار النظام الصهيوني الذي لم يحقق مكسباً يسفر عن تحسين الوضع فحسب بل كتب رئيس الوزراء في اعتراف صريح له على صفحته الشخصية “إن إسرائيل أمام اختبار حقيقي و حالة غير مسبوقة قريبة من الانهيار ويواجه مفترق طرق تاريخي”. في مثل هذه الحالة يجري إقرار قانون في بعض البلدان العربية يعتبر “عقوبة الإعدام” على أي محاولات أو إجراءات رسمية أو غير رسمية ترمي إلى التواصل مع هذا الكيان.
وبالنظر إلى أن إقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع تل أبيب لا يزالان يواجهان “رفضاً واسع النطاق” في الرأي العام للدول العربية والدول الإسلامية فمن المتوقع أن يتخذ النخب والمفكرون ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والشخصيات السياسية والحكومية ومختلف الفئات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم وخاصة في العالم الإسلامي من خلال ممارسة الضغط على ممثليهم “إجراءات و تحركات أكثر جدية” لسن قوانين مماثلة لتلك التي تم تمريرها في العراق واليمن.
في ظل الوضع السائد في الأراضي المحتلة من جهة و الذي يسير نحو “تعميق” الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية وغيرها ومن ناحية أخرى نظراً لاستمرار الجرائم التي يرتكبها نظام الفصل العنصري الصهيوني ضد الفلسطينيين فمن المؤكد أن الإجراءات الإقليمية والدولية في مجال تجريم العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب ستكون لها “وظائف فعالة” في مواجهة تطبيع العلاقات العربية ـ الصهيونية وفي معركة فلسطين الحاسمة الحالية والمستقبلية ضد محتلي القدس.
0 تعليق