المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ رأي الضیف: بعد مرور عقد من العلاقات الباردة، تسیر ترکیا والإمارات علی طریق إحیاء العلاقات الثنائیة. بدأ هذا التوجه الجدید في عام 2021 عقب إستمرار اللقاءات والإتصالات بین الدبلوماسیین رفيعي المستوی، والتي بلغت ذروتها في زیارة محمد بن زاید إلی أنقرة في نوفمبر الماضي. و زار رجب طیب اردوغان أبوظبي مؤخراً لتقدیم التعازي في وفاة الشيخ خلیفة بن زاید آل نهیان. علاوة علی ذلک، تم في هذه الزيارة التوقيع على أکثر من 10 إتفاقیات بین البلدین من بینها إتفاقیة التعاون في مجال الصناعات الدفاعیة.
سید حامد حسیني ـ طالب مرحلة الدکتوراه في العلاقات الدولیة
الدوافع
علی الرغم من أن الإمارات والسعودیة في العدید من القضایا الإقلیمیة تتحرکان في إتجاه واحد، إلا أن الإمارات العربیة المتحدة تبحث عن حلفاء جدد وسط التنافس الإقلیمي المتزاید مع السعودیة. فالریاض ترید تجاوز أبوظبي بإعتبارها القطب التجاري في الخلیج الفارسي، بینما الإمارات تسعی إلی تحدي القیادة الحقیقیة للسعودیة في المنطقة. لاتزال تعتبر ترکیا قوة مهمة في الخلیج الفارسي، علی الرغم من ظهور التوترات التي أعقبت الربیع العربي مع جیرانها، نظراً لـتحالفها الوثیق وقاعدتها العسکریة في قطر و التعاون الأمني مع الکویت. ولهذه الأسباب أصبحت أنقرة شریکة محتملة جذابة لأبوظبي، لأن أبوظبي تسعی لإنشاء محور بدیل. وتأتي هذه المحاولات لتطبیع العلاقات ایضاً في ضوء تداعیات الإنسحاب العسکري الأمریکي من المنطقة و هو ما یمکن رؤیته في الإجراءات الدبلوماسیة الأخیرة لترکیا تجاه الکیان الصهيوني .
من وجهة نظر ترکیا، فإن التركيز المتزاید علی القوة الصارمة لتحقیق أهداف سیاستها الخارجیة منذ الربیع العربي، قد عزل هذا البلد، و لدی الإمارات علاقات وثیقة مع جیران ترکیا القريبين منها مثل الیونان، و جمهوریة قبرص، و مصر، والکیان الصهيوني. فالتقرب من أبوظبي یمکن أن تکون الخطوة الأولی نحو التطبیع مع الجیران، لاسیما في منتدی غاز شرق المتوسط، الذي یضم مصر، وقبرص، والیونان، والکیان الصهيوني ، وایطالیا، والأردن.
النقطة الأخری هی أن قطر تعتبر أقرب حلیف عربي لترکیا. فبعد إنتهاء حصار قطر بقیادة السعودیة في أوائل عام 2021، کانت الدوحة تسعی إلی تطبیع العلاقات مع دول الخلیج الفارسي، وخاصة المنافس الإقلیمي الرئیسي أي السعودیة. علی الرغم من الإصطفاف الإیدئولوجي والأمني لترکیا مع قطر، فإن ترکیا تبحث عن مصالحها الرئیسیة في توسیع علاقاتها في الخلیج الفارسي، والتي اشتدت بعد زیارة اردوغان للسعودیة بعد سنوات من توتر العلاقات إثر مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي داخل القنصلیة السعودیة في إسطنبول عام 2018 .
ربما کان الوضع الإقتصادي المتدهور لترکیا عاملاً في تغییر نهج ترکیا تجاه دول الخلیج الفارسي. نظراً لأن اللیرة التركية تشهد أکبر انخفاض في قیمتها هذا العام منذ تولي أردوغان حزب العدالة و التنمیة في عام 2002 ، فقد یکون التقرب محاولة للحفاظ علی تدفق الرساميل إلی الإقتصاد التركي وتعزیزها. و قد وقّعت ترکیا والإمارات 10 مذکرات تفاهم، تعهدت الإمارات بموجبها بإستثمار 10 ملیارات دولار في ترکیا؛ حيث رحّب البعض بالخبر و انتقده البعض الآخر واصفاً بأنه مصادرة رخیصة للأصول التركية. و من المؤکد أن هذا التطبیع یصب في مصلحة الإمارات التي ترید فتح طریق تجاري إلی میناء مرسین التركي عبر إیران، ودخول السوق التركي للتنویع الإقتصادي، وتحسین قدرتها المالیة من خلال إتفاقیات البنک المرکزي و بورصة اسطنبول.
الخطوات المتبادلة
منذ بدء إستئناف المفاوضات لإحياء العلاقات، بذل الجانبان جهوداً کبیرة لبناء الثقة، ورفعت ترکیا الحظر المفروض على وکالتي الأنباء “وام” و”العین نیوز”. کما إتخذت الإمارات إجراءات متبادلة برفع الحظر عن وكالة أنباء الأناضول ووکالات الأنباء الداعمة لترکیا. بالإضافة إلی ذلک، غیرت المؤسسات الإعلامیة في کلا البلدین التي لها علاقات وثیقة مع حکومتیهما لهجتها من النقد و الإتهام و حتی التشهیر إلی التعاون والإتفاق.
کما حظرت الإمارات الإنترنت عن “سادات بکر”، الذي سبق أن نشر مقاطع من فيدیو يزعم فيها أنه کشف المعاملات غیر القانونیة للمسؤولین والسیاسیین الأتراک، والتي شاهدها الملایین في ترکیا. كما أعطى الإنتربول، الذي یدیره الآن المفتش العام السابق بوزارة الداخلیة الإماراتیة أحمد ناصر الرئیسي، الضوء الأخضر قبل أسبوعین من زیارة أردوغان للقبض علی بکر.
العقبات
تواصل ترکیا والإمارات التنافس في لیبیا و سوریا و أجزاء من إفریقیا، مما قد یفرض تحدیات علی علاقاتهما الثنائیة المستقبلیة. فالإمارات علی سبیل المثال، تدعم الجنرال خلیفة حفتر، بینما تدعم ترکیا حکومة الوحدة الوطنیة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي تعترف بها الأمم المتحدة. کما أقامت الإمارات علاقات مع حکومة الرئیس السوري بشار الأسد، بینما تواصل القوات التركية السیطرة علی أجزاء من شمال سوریا. و مع ذلک، بعد التسویة، قد تمتنع ترکیا والإمارات عن توجیه إتهامات مباشرة ضد بعضهما البعض، و بدلاً من ذلک تستمر علاقاتهما بنفس الطریقة التي تتعاون بها ترکیا مع روسیا علی الرغم من وجود الخلافات في وجهات النظر.
فضلاً علی ذلک، فإن التقارب الإماراتي التركي هو مبادرة دبلوماسیة تتجاوز العلاقات الثنائیة. في حین أن هذه المبادرة مهمة لتوازن القوی داخل الخلیج الفارسي، إلا أن لها أیضاً عواقب مباشرة علی سیاسة الولایات المتحدة، حیث لعبت کل من ترکیا والإمارات دوراً مهما في الشؤون الإقلیمیة؛ لذلک فإن تطبیع العلاقات بین الحلیفين، یسهّل حسابات الولایات المتحدة في المنطقة لأنه لایتعین علیها تفضیل حلیف علی آخر. سیکون لأبوظبي و أنقرة دور أکبر في الشرق الأوسط حیث تقلص الولایات المتحدة مشارکتها في المنطقة، وقد یؤدي إحیاء العلاقات بینهما إلی تعاون أفضل. من جهة أخری، نظراً لأن الإمارات والکیان الصهيوني یعترفان ببعضهما البعض ویقومان ببناء التحالف، فإن التقارب التركي مع هذین الفاعلین یخلق فرصة لأمریکا، لأن کل هذه الدول شرکاء لها.
0 تعليق