المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ رأي: کانت سیاسات السعودیة تجاه الکیان الصهیوني متأثرة دائماً بعناصر داخلیة وإقلیمیة ودولیة، وحاولت السلطات السعودیة الحفاظ على قنوات إتصالهم لتوسيع علاقاتهم السریة مع الکیان الصهيوني، علاوة علی أنهم حاولوا جعل القضیة الفلسطینیة محور سیاساتهم العربیة والإسلامیة لخلق صورة واسعة لما یسمی بمخاوف المملكة.
کامران کرمي ـ باحث في قضایا شبه الجزیرة العربیة
في الحقیقة، أدت سیاسات السعودیة البطیئة والسریة في المجالات الثقافية والریاضیة والتجاریة غیر الحساسة خلال العقدین الماضیین، خاصة منذ السنوات الأخیرة، إلی تعزيز هذا الإحتمال بأن السعودیة أیضاً ترغب في إظهار العلاقات علناً الذي تزامن مع الزیارة الأخيرة لرجال الأعمال الصهاينة إلی الریاض، لتمهید الطریق لإعلان تطبیع علاقاتها أکثر من قبل کما فعلت الإمارات و البحرین.
وفي هذا الأثناء، نشرت بعض وسائل الإعلام نبأ زیارة جو بایدن إلی الریاض الشهر القادم في إطار جولته الإقلیمیة، و طرحوا هذا الإفتراض أن قضیة العلاقات السعودیة الصهيونية ستکون إحدی القضایا الرئیسیة المطروحة علی جدول أعمال الرئیس الامريكي خلال زيارته للسعودیة بعد قرابة نحو سنتین من فتور العلاقات بین بایدن و ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. علاوة علی ذلک، یعد متغیر الطاقة أحد محاور زیارة بایدن، نظراً لدور السعودیة في أوبک بلاس، حیث یرتبط نتائجها و کیفية الوصول إلی الإتفاقیات المحتملة بشکل کبیر بالمتغیر الأول.
زد على ذلک، فإن عودة جزیرتي تیران و صنافير الواقعتين عند مدخل مضیق العقبة إلی السعودیة وإعادة بسط سیادة السعودیة علی هاتین الجزیرتین الإستراتیجیتین، هي احدی القضایا الأخری التي ستناقش في هذا السفر، والذي یشمل متغیر الکیان الصهيوني أيضاً. هذا في الوقت الذي أوكلت تل أبیب هاتین الجزیرتین لمصر علی أساس إتفاقیة کامب دیفيد عام 1979 و ملحقها عام 1982. و هي الجزر التي أعطتها السعودیة لمصر خلال الحروب العربیة الصهيونية وإحتلها الکیان الصهيوني مرتین في عامي 1952 و 1967؛ لذلک، في الظروف الحالیة، فإن الکیان الصهيوني له رأي فقط علی أساس قاعدة حق العبور الآمن و غير المقيد إلی هذه الجزر، لکن وسائل الإعلام الصهيونية والکیان الصهيوني نفسه ينويان طرح قضیة السیطرة الأمنیة للکیان الصهيوني علی الجزیرتين وتقدیمهما وکأنها هدیة للریاض. بینما إعترفت مصر عام 2017 بالسیادة السعودیة علی الجزر إزاء حصولها علی ملیاري دولار من الرياض.
علی الرغم من هذه التطورات، فإن لدی الریاض إعتبارات أکثر جدية للإعتراف بالکیان الصهيوني و إحدی هذه الإعتبارات هي کیفية تفعيل بطاقة التطبیع و الحصول علی إمتياز مهم من حکومة الرئیس بایدن، والتي أظهرت منذ ینایر 2021 حتی الآن أنها لا تلتزم بمعالجة هواجس حلفاءها العرب.
من الإعتبارات الأکثر جدية هو مشروع السلام العربي للملک عبدالله في إجتماع جامعة الدول العربیة التي استضافتها بیروت عام 2002 ، والذي شرح فيه خارطة طریق للإعتراف بالکیان الصهيوني. هذا المشروع الذي تم تحدیثه کنسخة من مشروع الملک فهد عام 1987، جعلت الإعتراف بالکیان الصهيوني مشروطاً بتحقیق حل الدولتین، و عودة الکیان الصهيوني إلی حدود عام 1967، و تحدید مصير اللاجئین الفلسطینیین.
بطبیعة الحال، فإن الریاض و خاصة الملک سلمان نفسه و بعض الأمراء و من بینهم ترکي الفيصل، مدینون لهذه الخطة و یلتزمون بها، و یعتبرون الإسراع بتطبیع العلاقات مع الکیان الصهيوني تمسخراً بخطة السلام السعودیة هذه، والتي في وجهة نظرهم مقبولة علی نطاق واسع من قبل الدول العربیة و الإسلامیة. علی هذا الأساس يعتبر محمد بن سلمان والدائرة المقربة له أن هذا التصور قد عفا علیه الزمن ویقیمونه من وجهة نظر مصالحهم المتبادلة و تخفيض التکالیف العدائیة بناء علی النظرة الواقعیة التي إتخذتها الإمارات و ترکیا و مصر.
إلی جانب خطة السلام العربیة التي أدت إلی خلق صورة عن السعودیة بإعتبارها دولة وضعت الهواجس الفلسطينية في محور سیاستها الخارجیة، فإن مکانة السعودیة في العالم العربي والعالم الإسلامي نتيجة احتضانها الحرمین الشریفين هو إعتبار أخر أمام صناع القرار في السعودیة للدخول في مشروع تطبیع العلاقات مع الکیان الصهيوني.
نظراً للحساسیات الموجودة في هذا المجال و طرح قضایا مثل الإدارة الدولیة لمکة المکرمة والمدینة المنورة من قبل بعض الدول، فإن الریاض قلقة من أن یؤدي تطبیع العلاقات مع الکیان الصهيوني إلی مناقشة هذه المسألة بشکل أکثر جدیة من قبل بعض الدول. علاوة علی ذلک، فإن حساسیات الرأي العام، وخاصة الجماعات الإسلامیة داخل السعودیة ایضاً، ستزيد من حالة عدم الرضا عن هذا القرار و سيتم إستهداف والطعن بشرعیة آل سعود.
0 تعليق