المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في الوقت الذي تمر سبعة أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية، لم يتم تشكيل حكومة جديدة بعد في البلاد. إن إطالة أمد عملية تشكيل الحكومة والتي أدت إلى استمرار الجمود السياسي في العراق، جعلت هذا البلد یواجه أزمات عدیدة ويعيش فترة انتقال أمني وسياسي رغم تغلبه على داعش.
حميد خوش آيند ـ خبير في القضايا الإقليمية
وجهتا نظر حول تشكيل الحكومة العراقية
هناك حالياً وجهتا نظر مختلفتان حول تشكيل الحكومة في العراق: الأولى تتعلق بالإطار التنسیقي أو “إطار التنسيق للأحزاب الشيعية”، الذي يسعى إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية” بمشاركة جميع الأحزاب والتيارات والجماعات السياسية. یقابل وجهة النظر هذه مقتدى الصدر و هو زعيم التيار الصدري الذي يدعو إلى تشكيل “حكومة أغلبية” كردية سنية من خلال تشكيل التحالف “أنقذوا الوطن” بزعامة مسعود بارزاني وتحالف “السياسة” بزعامة محمد الحلبوسي وخميس خنجار.
عملية تشكيل الحكومة علی مفترق طریق الصدر
وبعد انتهاء فرصة الـ 40 يوماً التي أعطاها مقتدی الصدر في 30 آذار/مارس 2015من خلال بیان أصدره إلى الإطار التنسيقي للأحزاب الشيعية لتشكيل الحكومة وبعد أربع جولات من المحاولات الفاشلة لتقديم حكومة جديدة في الأشهر السبعة التي انقضت بعد الانتخابات انتقد مقتدى الصدر بشدة في خطاب متلفز وفي موقفه الأخير، قوى التنسيق للأحزاب الشيعية، مؤكداً “یجبروننا علی التحالف مع أنفسنا”. یجب أن یتیقنوا بأننا لن نسمح للعراق بالعودة مجدداً إلی المحاصصة الطائفیة والاتفاق الذی أضر بکل شيء في العراق منذ أعوام.
كما غرّد الصدر قائلاً: “السبيل الوحيد للمضي قدماً هو الانضمام إلى “المعارضة الوطنية” لمدة 30 يوماً على الأقل. وأضاف “إذا نجحت الفصائل واللجان النيابية في تشكيل حكومة خلال هذا الوقت، فهذا أمر جيد جداً وإلا سنتخذ قراراً آخراً نعلنه في الوقت المناسب”. في الواقع، وضع الصدر العراق على مفترق طرق إما تشكيل الحكومة في أقل من 30 يوماً أو تحويل حركته إلى معارضة وطنية في العراق.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن أصدرت المحكمة العليا المركزية العراقية القرارين المهمين في الأيام الماضية اللذین یراهما البعض سبباً لرضی مقتدی الصدر. الأول “إلغاء مشروع قانون الأمن الغذائي للدولة” والثاني “إلغاء جميع الوظائف الحكومية خلال فترة الحكومة بالوکالة” وهو یسفر عن إلغاء انتخاب المحافظين الجديدين للنجف و ذي قار فضلاً عن كل عمليات التجنيد واختيار المستشارين وتجنيد الآلاف من القوات في أجهزة الأمن الوطني والاستخبارات والأمانة العامة لوفد الحکومة العراقیة والتي يتمتع فيها الصدر بنفوذ جدي.
إن تصريحات الصدر بأنه تم وضعه كمعارضة وطنية وعدم تدخله في مفاوضات تشكيل الحكومة والتي رافقها هجوم حاد على إطار التنسيق الشيعي هي أشبه بضغط سياسي أو أداة للحصول علی التنازلات ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاجتماعي والأمني والميداني في البلاد مع ما يترتب على ذلك من تبعات:
أولاً: من خلال إطالة أمد عملية تشكيل الحكومة في العراق، فإنها تمهد الطريق لاستمرار أجواء عدم الاستقرار السياسي وتوسيع عمق ونطاق تهديدات الأمن القومي، ما يؤدي إلى اتساع رقعة الجماعات الأمريكية والإرهابية في العراق.
ثانياً: عدم الاستقرار وانعدام الأمن هما نتيجتان مباشرتان لعدم اليقين السياسي وغیاب الحکومة في كل بلد. هذا وخاصة في العراق، الذي بالكاد تجاوز أزمة داعش والإرهابيين التكفيريين، يساعد على إحياء داعش في البلاد.
ثالثاً: یتسبب فی أن تتعزز هذه الفکرة والعقلیة لدی الرأي العام العراقي بأن الصدر والحرکة التابعة له تمنع تشكيل الحكومة وبالتالي استمرار الجمود السياسي في العراق وهذا من شأنه أن يقلل من الشعبية السياسية والاجتماعية فضلاً عن تدهور المكانة الشعبية للصدر بين الشيعة وجماعات المقاومة العراقية.
ومن الحقائق التي لا يمكن إخفائها هي أن مقتدى الصدر يعزى إلى عائلة تعتبر عائلة متجذرة في العراق كانت دائماً في طليعة المعركة ضد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتعتبر رائدة في المقاومة والجهاد لذلك يجب تجنب أي سلوك وخطاب ينتقص من كرامة ومكانة هذه العائلة التي تختلط بالجهاد والشهادة في المجتمع العراقي وفي المنطقة.
رابعاً: يزيد من احتمال تغيير اتجاه النزاعات الشيعية إلى الصراع الشيعي – الشيعي في العراق وهو وضع يضر عملياً بمصالح الشعب العراقي ويصب في مصلحة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية. تجدر الإشارة إلى أن إطالة استمرار عملية تشكيل الحكومة في العراق یتأثر بمتغيرين مهمين. أولا “الخلافات القائمة بين الشيعة” ثانيا “التدخلات الأجنبية” التي ترى في عدم اليقين السياسي في العراق منصة مناسبة لتعزيز مصالحهم في العراق.
خامساً: في الوقت الذي لا يزال فيه العراق في بداية عصر الديمقراطية، فإن استمرار المأزق السياسي يتسبب في تراجع متزايد في ثقة الجمهور العراقي في صناديق الاقتراع، مما يؤدي إلى انخفاض شرعية الحكومات وعدم كفاءة النظام السياسي في البلاد.
الملاحظة الأخيرة
أياً كانت تصريحات مقتدى الصدر الأخيرة، فإنها لا تتوافق مع الواقع السياسي والميداني للعراق لأنه من دون مشاركة الإطار التنسيقي للأحزاب الشيعية لا يمكن التخطيط لتشكيل حكومة أغلبية وطنية.
إن تشكيل حكومة متفق عليها وفائزة تدعمها أغلبية الشعب العراقي والأحزاب العراقية هو الحل الوحيد المعقول والمنطقي والمتسق لواقع العراق السياسي والميداني. إن إصرار مقتدى الصدر على تشكيل حكومة أغلبية من خلال تشكيل ائتلاف ثلاثي مع جزء من الأكراد وغالبية العرب السُّنة لا يتعارض فقط مع الحكمة السياسية السائدة في المجتمع العراقي بل هو أيضاً محاولة لتشكيل حكومة تقوم على حكم الربح والخسارة وهو أمر يستحيل تحقيقه إلى حد كبير. وفي وضع يواجه فيه العراق العديد من المشاكل المتراكمة في مجال الاقتصاد والعيش فإنه في الواقع يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة والنتيجة هي إضعاف الأمن القومي العراقي من الداخل. الوحدة الشيعية هي أهم أولوية وضرورة حيوية للأحزاب والحركات، فضلاً عن السلطة والسياسة في المجتمع العراقي. وإذا تم تجاهل هذا المبدأ المهم والرئيسي على مستويات عالية، فمن المؤكد أن توابعه سرعان ما ستظهر في المجتمع العراقي وعلى أرضية الشارع، مما سیدخل البلاد في جولة جديدة من الأزمات والتوترات السياسية والأمنیة.
0 تعليق