المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: القطب الشمالي منطقة غير مأهولة ذات أهمية عالية بالنسبة للدول المطلة عليه. وقد ازدادت هذه الأهمية خلال العقد المنصرم في ظل الاحتباس الحراري، ما دفع دول تلك المنطقة إلى تعزيز وجودها في القطب الشمالي.
مرتضى مكي ـ خبير في الشؤون الأوروبية
في الماضي، كان الاهتمام بالقطب الشمالي أقل مقارنة باليوم وذلك بسبب موقعه الجغرافي وظروفه المناخية؛ غير أنه بفضل الاحتباس الحراري وانحسار الجليد توفّرت إمكانية الوصول إلى الموراد الطبيعية الهائلة في المنطقة وهو ما شجع دولها على تحديد مناطق نفوذ أمنية واقتصادية لنفسها.
يجري تنافس قوي بين الدول الواقعة في منطقة القطب الشمالي مثل روسيا والولايات المتحدة وفنلندا والدنمارك والنرويج على كيفية التواجد في هذه المنطقة. حتى الوقت الراهن، كانت الجهود منصبّة على بناء تعاون وثيق بين هذه الدول في إطار البروتوكولات البيئية؛ لأن جميعها تؤكد على أن أي خطوة لاستغلال الموارد الطبيعية الهائلة في القطب الشمالي قد تؤدي إلى تبعات بيئية كبيرة.
عزز تزايد التوتر بين روسيا وباقي الدول المتجاورة للقطب الشمالي خلال العقد المنصرم، التوجه نحو زيادة التواجد العسكري في هذه المنطقة.
فروسيا تملك عدداً من القواعد العسكرية في المنطقة، وفي المقابل تسعى الدول الغربية المطلة على القطب الشمالي مثل الولايات المتحدة وفنلندا والنرويج التي تتعاون في ما بينها أمنياً، إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
في هذا السياق، فإن إحدى الخطوات التي من شأنها زيادة التوتر في القطب الشمالي هو طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى الناتو؛ وهما دولتان سعتا خلال العقود الماضية إلى علاقات متزنة مع روسيا من خلال اتخاذ سياسة حيادية.
في الوقت الحالي، حيث تتم إعادة تعريف العلاقات الغربية – الروسية في إطار مفهومي الأمن والتهديد، نجد اصطفافاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بين الغرب وروسيا. وعلى خلفية هذه التطورات، سيشتد التوتر بين روسيا والدول الغربية في القطب الشمالي كذلك. ويبدو أن البروتوكولات البيئية لم تعد قادرة على احتواء وإدارة هذا التوتر. إذن، من المؤكد أن الأطراف المتنازعة ستقوم بخطوات لاستغلال الموارد الطبيعية الهائلة في البحر وتحت قاع البحر في القطب الشمالي. ففي حين كانت الجهود منصبة حتى الآن على صون الموارد البحرية القطبية، ستشتد المحاولات لاستغلالها في ظل تنامي التوتر.
أحد السيناريوهات المتوقعة الأخرى هو تسليم الدول المطلة على القطب الشمالي أجزاء من مناطق نفوذها الاقتصادي للدول الأخرى التي ترغب في استغلال الموارد البحرية وموارد قاع البحر. في هذا السياق، فإن الصين أكثر رغبة في القيام باستغلال الموارد البحرية القطبية اقتصادياً وإن علاقاتها الوثيقة مع روسيا ستوفر فرصاً جيدة لديها لزيادة حضورها في القطب الشمالي.
حتى وقت قريب، كان الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الاحتفاظ بقدر من التوازن في علاقاته مع روسيا وقد دفعت هذه السياسة الدول التي تريد اتخاذ سياسات أكثر هجومية تجاه موسكو إلى تعديل سياساتها بالنظر لاعتمادها على الطاقة الروسية؛ غير أن الهجوم الروسي على أوكرانيا قلب جميع المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية بين أوروبا وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتجتمع اليوم جميع الدول الأوروبية تقريباً في جبهة مواجهة عسكرية واقتصادية ضد روسيا. كما أن سياسة احتواء روسيا داخل حدودها قد تحولت إلى الموقف الصريح لبروكسل تجاه موسكو؛ رغم أن الدول الأوروبية كانت تواجه فجوات عميقة في ما بينهما بشأن طريقة مواجهة روسيا، قبل هجوم الأخيرة على أوكرانيا.
اليوم وبالنظر إلى كونه منطقة ذات حدود مشتركة بين روسيا والدول الغربية، يتأثر القطب الشمالي كذلك بانقلاب العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي على خلفية الهجوم على أوكرانيا.
0 تعليق