المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: زار بشار الأسد إيران للمرة الثانية خلال السنوات العشر الماضية. ورغم أن الظروف الأمنية طوال سنوات الأزمة السورية لم تسمح بزيارات على هذا المستوى، لم يؤثر ذلك على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين ولم تخفض مستواها.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية
أبرز ما يكشف عن أهمية زيارة بشار الأسد لإيران هو مستوى اللقاءات التي أجراها مع كبار المسؤولين في إيران. كان اللقاء مع قائد الثورة الإسلامية المعظم – الذي جرى في أجواء ودية – أهم برامج زيارة الأسد إلى طهران، ويدل على “العلاقات الإستراتيجية” بين البلدين، كما يدل على المكانة البارزة لسوريا لدى قائد الثورة الإسلامية المعظم.
وخلال هذا اللقاء، أشاد قائد الثورة المعظم بالرئيس السوري معتبراً معنويات بشار الأسد العالية أحد عوامل مقاومة سوريا وانتصارها في حرب دولية ضدها استمرت لعشر سنوات.
واللافت في هذا اللقاء هو حضور قائد فيلق القدس فيه. فبالنظر إلى الوجود الاستشاري لإيران في سوريا لدعم الحكومة والشعب خلال سنوات الأزمة، يشير حضور قائد فيلق القدس في هذا اللقاء إلى أنه في مرحلة ما بعد الأزمة وتخلص سوريا من خطر الإرهاب، ستحتفظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حضورها الاستشاري حتى انتهاء الأزمة بشكل كامل في سوريا القريبة من حدود الكيان الصهيوني؛ حيث أن هذا الكيان يشكل اليوم أكبر تهديد ضد سوريا والقضاء على هذا التهديد يتطلب زيادة التنسيق بين طهران ودمشق في مجال القضايا الأمنية والاستشارية.
زيارة بشار الأسد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقبلها زيارته إلى دول عربية وإقليمية مثل الإمارات، وكذلك لقاءاته بالمسؤولين الأجانب في دمشق تؤكد على أن سوريا نجحت في التغلب على محاولات إقليمية ودولية استمرت لسنوات من أجل فرض العزلة على سوريا وبدأت تستعيد مكانتها في المنطقة والعالم العربي.
أهداف الزيارة
الأول؛ تركزت زيارة الأسد لإيران على أهداف سياسية وأمنية واقتصادية وكذلك تعزيز العلاقات القائمة؛ وذلك في حين أن الحرب في أوكرانيا والتطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة، أحدثت بعض التغيّرات في توازن القوى على مستوى المنطقة والعالم. يبدو أن تفهّم الظروف الدولية الجديدة وتداعيات خوض روسيا حرباً في أوكرانيا قلصت من تركيز موسكو على المناطق الأخرى بما فيها سوريا، دفع بشار الأسد نحو تعزيز الوجود الإيراني في سوريا.
وفيما يتعلق بالأهداف غير السياسية لزيارة بشار الأسد إلى إيران، ينبغي الانتباه إلى أنه خلال العام المنصرم ابتعدت علاقات البلدين تدريجياً عن الطابع الأمني – العسكري الذي استدعته الحرب والأزمة في سوريا وتتجه نحو تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي والسياحي والعلمي والخدمي. في هذا السياق، ورغم قصر مدة زيارة الرئيس السوري إلى إيران، أبرم الجانبان توافقات جديدة في المجالات المختلفة.
الثاني؛ خلافاً لما روجته أوساط سياسية وإعلامية تابعة لبعض الدول الإقليمية بشأن أن الأسد بدأ يبتعد عن إيران بعد زيارته للإمارات، أثبت الرئيس السوري بزيارته لإيران أنه لا يزال يتطلع إلى تطوير “العلاقات الإستراتيجية” مع إيران في كافة المجالات وله نظرة خاصة إليها في مرحلة ما بعد الأزمة.
الثالث؛ يبدو أن القضية الفلسطينية كانت هدفاً آخر لزيارة الأسد إلى طهران؛ خاصة أن قائد الثورة الإسلامية المعظم خصص جزءاً مهماً من حديثه خلال لقاء الرئيس السوري للقضية الفلسطينية وتطورات الأراضي المحتلة.
ويحظى الدور السوري بالأهمية في ملف فلسطين من جهتين: الأولى؛ سوريا حليفة إستراتيجية لمحور المقاومة الإسلامية التي تأتي في صدارة أهدافها مواجهة الكيان الصهيوني العنصري والنضال من أجل تحرير القدس الشريف. والثانية؛ بسبب وجود حدود مشتركة بينها وبين كل من فلسطين المحتلة ولبنان، تتأثر سوريا بتطورات الأراضي المحتلة إلى حد كبير كما تستطيع التأثير عليها بشكل مباشر.
في الوقت الحالي، يعيش الكيان الصهيوني ظروفاً داخلية بالغة الهشاشة ويتخبط في الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية الشاملة. من هنا، يبدو أن التنسيق مع إيران بشأن تبنّي الآليات اللازمة لتعزيز جبهة المقاومة لمضاعفة الضغوط على الكيان المحتل للقدس واستعادة الأراضي المحتلة ومن بينها مرتفعات الجولان، هو من أهداف هذه الزيارة.
النتيجة
من منطلق تبنّي “مبدأ منطقي” وقائم على “توجه واقعي”، ترحب الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ بالتزامن مع تطوير علاقاتها الإستراتيجية مع سوريا ـ باستعادة دمشق علاقاتها مع الدول العربية التي كانت قد اصطفت ضدها حتى وقت قريب ولا توجد مشكلة لدى طهران مع هذا التوجه.
من جهة أخرى، تمر سوريا بـ “مرحلة انتقالية” وأمامها أهداف كبيرة خاصة في مجال إعادة إعمار ماخلّفه الدمار الناجم عن الحرب وهي ما لا تستطيع تحقيقها بمفردها؛ لأن مشاريع إعادة الإعمار بحاجة إلى استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار.
من هنا، يتطلب البدء بإعادة الإعمار في سوريا تبنّي “سياسية متزنة وعقلانية” في المنطقة. في هذا السياق، لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاستعداد لمساعدة سوريا في هذا المجال من خلال تزويدها بخبرات إعادة الإعمار في إيران وكذلك تطوير العلاقات الاقتصادية وغيرها بشكل شامل.
أما النقطة المهمة في هذا المجال، فهي ضرورة توخي الحكومة السورية الحذر تجاه التحركات والمشاريع المعادية لسوريا التي تنتهجها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
0 تعليق