المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: رغم الاتفاق بين رئيس الوزراء اليوناني والرئيس التركي على خفض التوتر في بحر إيجة خلال لقائهما الأخير في إسطنبول، انتهكت مؤخراً المقاتلات التركية المجال الجوي اليوناني بشكل واسع وحلقت فوق الجزر اليونانية المأهولة وغير المأهولة. على سبيل المثال، انتهكت المقاتلات التركية منطقة معلومات الطيران (FIR) لأثينا 126 مرة خلال يوم واحد وحلقت 41 مرة فوق 12 جزيرة يونانية مأهولة وغير مأهولة.
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
على خلفية هذه الأحداث، استدعى الأمين العام للخارجية اليونانية سفير تركيا في أثينا مرتين وسلمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، معتبراً الإجراءات التركية استمراراً للسلوك الاستفزازي والعدائي وانتهاكاً لسيادة يونان، ما يتعارض مع المساعي الأخيرة لتحسين أجواء العلاقات ويضعف تماسك الناتو في فترة زمنية بالغة الحساسية.
بالتزامن مع ذلك، وضعت اليونان دفاعاتها الجوية في بحر إيجة في حالة تأهب قصوى وزعمت أنها لم تسجل أي انتهاك لأجوائها من قبل المقاتلات التركية بعد تفعيل بطاريات الدفاع الجوي.
من جراء الجولة الجديدة من التوترات بين البلدين، سحبت وزارة الدفاع اليونانية دعوتها لتركيا للمشاركة في مناورات الناتو “Tiger Meet” التي كان من المقرر أن تستضيفها اليونان، وقاعدة آراكسوس بشكل رئيسي، في الفترة من 9 إلى 20 مايو في اليونان. كما قامت أثينا بتعليق “مباحثات بناء الثقة” بين الطرفين.
وفي اتصال هاتفي مع أمين عام الناتو، أكد رئيس الوزراء اليوناني، “ميتسوتاكيس”، أن استفزازات تركيا باعتبارها عضو في الناتو غير مقبولة، ورأى أن ممارسات تركيا تضعف أمن أوروبا ووحدة الناتو في فترة يتعين فيها على جميع دول الناتو أن تقف بوجه الهجوم الروسي بشكل موحد.
رغم ذلك، واجهت سياسة الحكومة اليونانية المحافظة تجاه تركيا انتقادات من حزبين معارضين للحكومة في اليونان؛ حيث يرى حزب التحالف اليساري أن سياسة “حزب الديمقراطية الجديدة الحاكم” المتمثلة في رؤية “حليف وفي وقابل للتكهن” لم تثمر شيئاً وأوصلت البلاد إلى انسداد ويجب على رئيس الوزراء اليوناني أن يطلب من جو بايدن خلال لقائه به في 16 مايو تقديم تعهد محدد بشأن عدم بيع طائرات إف-16 لتركيا. أما “الحزب الشيوعي” اليوناني فيرى أن الإنتهاك اليومي للمجال الجوي اليوناني من قبل المقاتلات التركية وتحليقها المستمر فوق الجزر اليونانية، أفقد موقف الحكومة الحالية والحكومات السابقة مصداقيته لأنها كانت تزعم أن العضوية في الناتو يوفر ضماناً لحقوق سيادة اليونان أمام المطالب التركية.
من جهة أخرى، تدعي تركيا أن تحليق طائراتها فوق الجزر اليونانية هو “رد على استفزازات وانتهاكات الطائرات اليونانية بالقرب من الشؤاطئ التركية بين 26 و 28 أبريل؛ فقامت القوات الجوية التركية بالرد على هذه الاستفزازات والانتهاكات في إطار قواعد الاشتباك”.
أما وزير الدفاع التركي، “آكار”، الذي يتحدث عن استمرار السياسيين اليونانيين في “الاستفزاز الكلامي” و”الممارسات غير القانونية”، يزعم: “يحاولون كسب التفوق على تركيا من خلال تسليح أنفسهم، وهو جهد بلا جدوى. اليونان تسعى لأن تؤسس تحالفاً داخل حلف شمال الأطلسي من جهة، وتحاول تعزيز قدراتها العسكرية من جهة أخرى. إن نظرة على أعداد وتركيبة القوات تكشف عن أنه لا قيمة لمحاولات اليونان أمام تركيا. إننا لن نقبل بالمساس بمصالحنا وحقوقنا في شرق المتوسط وبحر إيجة وقبرص. تركيا قادرة على صون مصالحها في إيجة وشرق المتوسط وقبرص”.
فضلاً عن ذلك، أعلنت تركيا في خطوة انتقامية ورداً على قرار الحكومة اليونانية، أنها قررت الانسحاب من المشاركة في مناورات حلف شمال الأطلسي (الناتو) “Tiger Meet”. هذه المناورات التي تهدف إلى زيادة التنسيق بين القوات الجوية للدول الأعضاء، تُنظَّم كل عام وتستضيفها كل مرة دولة من أعضاء الحلف.
قبل إنطلاق المناورات، تقوم الدولة المضيفة عادة ما بإعداد اتفاقية فنية. عمدت اليونان إلى إدخال تعديلات ضد تركيا في الاتفاقية التي كانت قد أعدتها؛ الأمر الذي دفع على الفور قيادة القوات الجوية التركية باتخاذ موقف تجاه هذه التعديلات مطالبة بتغيير المندرجات المتعارضة مع القوانين الدولية في هذه الاتفاقية.
تعتقد أنقرة أن اليونان توظف المناورات كأداة لدعم مصالحها السياسية. فرفضت تركيا المشاركة في المناورات، بعد رفض اليونان المطالب التركية.
العلاقات بين تركيا واليونان، العضوين في الناتو، التي تشوبها التوترات غالباً ما، ابتعدت إلى حد ما عن التصريحات اللاذعة والتهديدات على خلفية اندلاع الحرب في أوكرانيا والإجراءات التركية الأخيرة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية؛ كنتيجة، أعرب البلدان ظاهرياً على الأقل دعمها لتسوية المشاكل في إطار علاقات حسن الجوار والقوانين الدولية. كما أثمر اللقاء بين رئيس الوزراء اليوناني والرئيس التركي في إسطنبول في 13 مارس بعد بدء الحرب الأوكرانية عن اتفاق بين البلدين لتجنب التصريحات غير الودية بشكل متبادل.
النقطة المهمة هي أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، نولاند، كانت قد أكدت للطرف اليوناني خلال زيارتها لأثينا: “بالنظر للظروف الجيوسياسية والحرب في أوكرانيا، لم تعد تسوية الخلافات التركية ـ اليونانية من أولويات واشنطن. لكن ينبغي أن يسود الهدوء شرق المتوسط لكي تتمكن اليونان وتركيا من القيام بدورهما المهم في إنهاء اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. رغم ذلك، توحي كل المؤشرات بأن الخلافات العميقة والتاريخية بين اليونان وتركيا على جميع المستويات السياسية والعسكرية بما فيها المياه الإقليمية ومناطق معلومات الطيران والمناطق البحرية المتنازع عليها وعسكرة الجزر والانتهاكات ضد الأقلية التركية في تراس (المناطق التي يقطنها المسلمون في اليونان) ستستمر.
كانت أولى تبعات الجولة الجديدة من التوترات بين تركيا واليونان تعليق مباحثات بين الطرفين كانت تهدف إلى إيجاد “حل عادل ودائم وشامل” للخلافات في بحر إيجة؛ المباحثات التي كانت قد أطلقت في عام 2002 وتوقفت في عام 2021 فجأة، ثم استُؤنفت في العام الميلادي الحالي.
0 تعليق