المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لا يزال يواجه تحديات صعبة. ينص الدستور العراقي على أنه يجب أن تكتمل عملية تشكيل الحكومة من قبل البرلمان، بعد شهرين من المصادقة على نتائج الانتخابات كحد أقصى، عبر تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والتشكيلة الوزارية. والحال أنه بعد مضي ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية، قد تحول تشكيل الحكومة إلى موضوع خلافي بين الفرقاء والتيارات السياسية.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية
أخفق البرلمان العراقي في انتخاب رئيس الجمهورية في جلسته بتاريخ 26 مارس بسبب عدم اكتمال النصاب؛ حيث أن انتحاب رئيس الجمهورية يحتاج إلى أصوات الثلثين من أصل 329 نائب في البرلمان. في حين أنه لم يحضر جلسة يوم 26 مارس سوى 202 نائب.
بناء على قانون غير مكتوب في العراق، يُنتخب رئيس الجمهورية من الأكراد ورئيس الوزراء من الشيعة ورئيس البرلمان من السُنّة. يُعتبر انتخاب رئيس الجمهورية من قبل نواب البرلمان الخطوة الأولى لتشكيل الحكومة في العراق. مع أنه يتنافس ما يقارب 40 مرشحاً للوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية، يُعدّ “برهم صالح”، الرئيس العراقي الحالي ومرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، و “ريبر أحمد بارزاني”، وزير الداخلية في إقليم كردستان العراق ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، أبرز المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية.
الإطار التنسيقي الشيعي (88 نائباً)، والاتحاد الوطني الكردستاني (19 نائباً) ونواب السُنّة المعارضون للحلبوسي وخميس الخنجر، البالغ إجمالي عددهم 133 نائباً، لم يحضروا الجلسة الأخيرة للبرلمان رفضاً لانتخاب ريبر أحمد، المرشح المدعوم من التيار الصدري وبارزاني وتحالف السيادة، رئيساً للعراق.
صرح “وعد قدو”، من قادة الإطار التنسيقي، في مقابلة مع بغداد اليوم: “ريبر أحمد انفصالي وهو عميل للموساد وإن مواقفه معروفة وعليه سنقف بوجه تمريره في البرلمان”.
في السياق نفسه، أكد “أحمد عبد الحسين”، العضو في تحالف الفتح (من أبرز أطراف الإطار التنسيقي)، أن ترشيح ريبر أحمد للرئاسة من قبل التحالف الثلاثي (الصدر وبارزاني والسيادة) هو جزء من مساعي تطبيع العلاقات بين العراق والكيان الصهيوني، مصرحاً بأن “هناك ملفات وشواهد حول ريبر أحمد تؤكد العلاقة بينه وبين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة”.
تعتقد الأحزاب والتيارات العراقية المختلفة، بدءاً من الاتحاد الوطني الكردستاني وصولاً إلى تحالف الفتح وغيرهما، أن دعم بعض الأطراف الخارجية لرئاسة ريبر أحمد يُعدّ خطوة مهمة باتجاه تعزيز الجهود لتطبيع العلاقات بين العراق والكيان الصهيوني. ويكمن السبب الرئيسي لمعارضة الاتحاد الوطني الكردستاني لريبر أحمد هو محاولات الأخير لتطبيع العلاقات بين العراق والكيان الصهيوني.
بشكل عام، يمكن القول إن تحول عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة إلى “مسار طويل وخلافي” حصل نتيجة أسباب داخلية وخارجية. على الصعيد الداخلي، فإن الخلافات التي ظهرت بين التيار الصدري والإطار التنسيقي التي خلقت حالة من ثنائية القطبية في الفضاء السياسي الشيعي من جهة، والخلافات الكردية بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي من جهة أخرى تعمل كعائق أمام تشكيل الحكومة.
وفي ما يتعلق بالعقبات الخارجية، ينبغي الإشارة إلى لاعبين من ذوي المصالح كالولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض دول المنطقة الذين عقّدوا عملية تشكيل الحكومة من خلال القيام بدور تخريبي ومخادع.
إجمالياً، يبدو أن هناك أيادي خفية وظاهرة في داخل العراق وخارجه لا تسمح بتسريع وتسهيل عملية تشكيل الحكومة العراقية بشكل يتسق مع مصالح الشعب العراقي.
في هذا الخضم، تسعى الأوساط الإعلامية والسياسية في المنطقة إلى إظهار الخلافات الشيعية – الشيعية العاملَ الرئيسي لعدم تشكيل الحكومة العراقية. رغم أن هذا الأمر صحيح إلى حدٍ ما بالنظر للتصرفات الإحادية لمقتدي الصدر، لكن يجب أن لا يُعتبر ذلك العقبة الأساسية أمام تشكيل الحكومة.
إن عدم تشكيل الحكومة في العراق الذي ينتج عنه “ضبابية سياسية” هو أمر يخدم مصالح الأمريكيين أكثر من غيرهم. وعليه، تعمل العناصر الأمنية والاستخباراتية الأمريكية في العراق على تأجيج الخلافات الداخلية، خاصة في البيت الشيعي، لاستطالة أمد بقاء العراق في حالة “اللادولة” لأبعد وقت ممكن؛ ليكون بإمكان الولايات المتحدة استغلال هذا الوضع سياسياً وأمنياً وعسكرياً.
وفي ما يتعلق بالتداعيات المحتملة لهذا الوضع، ينبغي على التيارات السياسية في العراق ومن ضمنها القوى الشيعية أن تنتبه إلى أن التأخر في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتقديم التشكيلة الوزارية سينطوي على تبعات أمنية وسياسية مهمة للعراق قد تجر البلاد من جديد إلى دورة من الأزمات الأمنية والسياسية منها عودة الإرهاب عن طريق استعادة خلايا داعش النائمة نشاطها وكذلك تعزيز تواجد القوات الأجنبية ومن بينهم الأمريكيين.
أما على الصعيد الداخلي، فإن استمرار الضبابية السياسية واستطالة أمد تشكيل الحكومة خاصة في وقت يعاني العراق من مشاكل مختلفة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها قد يفضي إلى تفاقم الإزمات الاقتصادية والاجتماعية ما سيؤدي بدوره إلى زعزعة الاستقرار وتنامي انعدام الأمن؛ الوضع الذي يعتبر أفضل فضاء لنشاط العناصر والجماعات الإرهابية، ويوفّر أرضية مؤاتية لاستمرار وجود القوات الأجنبية.
0 تعليق