المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: في بيان موجه إلى الاتحاد الأوروبي اعتبره الأتراك موقفاً خالداً في تاريخ السياسة الخارجية التركية، خاطب الرئیس التركي أوروبا قائلاً: "الاهتمام الذي أبديتموه لأوكرانيا أظهروه لتركيا أيضاً، أم أنكم ستدرجون بلادنا على جدول أعمالكم عندما تتعرض لهجوم من قبل جهة ما؟".
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
تنتقد تركيا سياسات روسيا الخاطئة تجاه أزمة أوكرانيا وتدافع عن حقوق الأخيرة في السيادة والاستقلال. في حين أن الغربيون يتهمون تركيا منذ سنين بتغيير توجهها ومحاباة روسيا وينتقدونها بسبب ذلك.
في مواقفها الرسمية، تصف تركيا الهجوم على أراضي أوكرانيا بعدوان غير مسبوق وغير قانوني وبدون مبرر ومرفوض. ترى تركيا أن تغيير الحدود باستخدام القوة يتعارض مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة وأن هجوم روسيا على أوكرانيا انتهاك سافر وعميق للقوانين الدولية؛ قررت تركيا الدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا رغم اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة والمواد الغذائية والسياحة وكذلك في الملف السوري.
رغم معارضة روسيا، باعت تركيا مسيّرات مسلحة وغير مسلحة لأوكرانيا وأبرمت عقوداً دفاعية معها. اتخذ أردوغان قراره بوضوح وصراحة لصالح الناتو رغماً عن بوتين الذي يرفض توسع الناتو.
في الوقت نفسه، تسعى تركيا لإتباع سياسة متزنة إزاء الأزمة في أوكرانيا. غير أن معارضي أردوغان يعتقدون أنه في حال تنحية حزب العدالة والتنمية ووصول المعارضة للسلطة في تركيا فمن المؤكد أن الأجواء السياسية للبلاد ستتغير وستبدأ مرحلة جديدة تخدم مصالح الناتو وتركيا. كما أن تهدئة التوتر مع الإمارات والسعودية ومصر والكيان الصهيوني ستأخذ وتيرة أقوى وستتوفر أجواء أنسب لتعزيز التحالف مع أوروبا وأمريكا.
من جهة، ينتقد أردوغان الناتو بسبب عدم تبنيه خطوات واضحة لدعم أوكرانيا ومن جهة أخرى، لا يريد أن يخلّ بعلاقته مع روسيا. دعوة الغرب للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، والمطالب بإغلاق المضيقين بوجه السفن الروسية، وضرورة الحفاظ على العلاقات التجارية مع الأخيرة، وضعت أردوغان أمام محاذير وجعلته متردداً.
علاقات أردوغان المتميزة مع بوتين وشرائه منظومات إس-400 تسببت في انعدام ثقة دول الناتو في أنقرة. بالنظر لعلاقاته الوثيقة جداً مع روسيا وأوكرانيا، ليس بمقدور أردوغان أن يتخلى عن أي منهما. لذلك، يرغب في تجاوز هذه الأزمة بحيث تحتفظ بلاده بعلاقاتها وتعاونها الإيجابي مع روسيا وأوكرانيا.
الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، إذ أشاد بأردوغان ومسيّرات بيرقدار المسلحة التركية الصنع، أكد على أن له علاقات وثيقة جداً مع أردوغان وتركيا. يجدر الأشارة إلى أن المسيّرات المسلحة التي اشترتها من تركيا، وفرت مساعدة كبيرة لأوكرانيا.
يقول زيلينسكي: “لا تقتصر مساعدة تركيا لنا على الطائرات المسيّرة. يساعدنا أردوغان في الكثير من الأمور. ليس فقط في هذا المجال، بل في المجال السياسي كذلك توجد الكثير من المبادرات بشأن أوكرانيا لدى أردوغان. تركيا هي من الدول التي يمكنها ضمان أمن أوكرانيا”.
تركيا التي تتولى مسؤولية تنظيم العبور من مضيقي أسطنبول وتشاناك كاليه تواجه معضلة بسبب تطورات منطقة البحر الأسود. تتوقع أوكرانيا أن تغلق تركيا المضيقين بوجه السفن الروسية استناداً إلى المادة 19 من اتفاقية مونترو. لكن تركيا تزعم أنه يجب من الناحية القانونية تشخيص هل تنطبق حالة الحرب على الوضع أم لا.
يرى وزير الخارجية التركي: “بإمكان تركيا أن تحول دون عبور السفن الحربية من المضيقين، لكن لوحظ موضوع آخر كذلك في اتفاقية مونترو. وهو أنه إذ طلبت السفن الحربية لإحدى الدول المتحاربة العودة إلى بلادها، فيجب أن يُسمح لها بذلك. إذا قبلنا أن الوضع تنطبق عليه حالة الحرب من الناحية القانونية، فسيبدأ العمل بهذا. إذا قبلنا بالوضع الحربي، سنمنع عبور السفن الحربية في إطار اتفاقية مونترو، لكن حتى في هذه الحالة يحق للسفن الروسية العبور من المضيقين”.
أدخل الروس بنداً لصالحهم في الاتفاقية عند صياغتها. قد ورد هذا الموضوع في المواد 19 و 20 و 21 حيث ينص في النهاية على أنه إذا طلبت سفن الدول المتشاطئة العودة إلى قواعدها فيُسمح لها بذلك. تنص المادة 19 من اتفاقية مونترو على أنه لو كانت السفن الحربية للدول المتحاربة قد خرجت من موانئ الدولة، فبإمكانها أن تعود إليها. وكنتيجة، لا تواجه روسيا مشكلة بشأن عبور سفنها من البحر المتوسط الأبيض نحو البحر الأسود. وتسمح اتفاقية مونترو بمرور السفن الحربية التابعة للدول غير المشاطئة للبحر الأسود، من مضيقي الدردنيل والبوسفور، بشرط إشعار تركيا بالمرور قبل 15 يوماً، والبقاء في البحر الأسود لمدة لا تتجاوز21 يوماً.
إغلاق المضيقين بوجه روسيا وإبقاؤهما مفتوحين أمام قوات أوكرانيا والناتو، سيضع تركيا في موقف صعب. انسحاب روسيا من اتفاقية مونترو من شأنه أن يُفقد تركيا ميزة التحكم بالمضيقين التي نالتها في عام 1936 رغم أنها فقدت اليوم مصداقيتها من منظور القانون الدولي. لذلك وكمخرج، لم تتحدث تركيا عن حالة الحرب وتصرح بأن السفن يمكنها العودة إلى قواعدها بشكل استثنائي.
تمثل العقوبات تحدياً آخر يواجهها أردوغان. حيث أن تركيا لم تلتزم بالعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية. اليوم وبعدما اتضح أن الناتو لن يقوم بخطوات إضافية، تقوم الدول الأعضاء بإرسال السلاح إلى أوكرانيا بشكل منفرد ما يعني نشوب حرب بالوكالة. منذ انتخاب بايدن، سعى أردوغان إلى ترميم العلاقات الفاترة بين تركيا ودول الناتو عبر أوكرانيا. أردوغان الذي يُذكّر الناتو دائماً باهمية تركيا حصل في الأزمة الأوكرانية على الفرصة التي كان يبحث عنها. يعتقد أردوغان أن هذه الأزمة، ستعزز موقعه في ملفات مثل برنامج مقاتلات إف 35 الذي أبعِدت تركيا عنه، وتحديث مقاتلات إف 16 ودعم أمريكا للأكراد في سوريا.
0 تعليق