المجلس الإستراتيجي أونلاین ـ رأي: طالما كانت الحرب ظاهرة مذمومة لما لها من آثار وعواقب مادية وغير مادية مدمرة، إلّا إذا كانت عاملاً في الدفاع عن حياة الإنسان وبقائه والمجتمع والنظام والأمن العام ومواجهة المعتدي ومنع الظلم والتصدي لعدم العدالة.
برسام محمدي ـ خبير في القضايا الإقليمية
الغرض من هذا المقال هو دراسة “نظرة الغرب الانتقائية” لظاهرة الحرب. إذا كان المعيار الرئيسي لمواجهة الحرب في مراكز اتخاذ القرار وصنع القرار والسياسة الخارجية وحتى المدارس السياسية والفلسفية للغرب هو “المصالح الوطنية” وليس “المصالح الإنسانية” و “حقوق الإنسان”، فهي ظاهرة مذمومة بدرجة أكبر من الحرب نفسها.
لقد أظهر تاريخ حروب العلاقات الدولية المعاصرة، وخاصة التطورات التي حدثت في العقود الأخيرة، أن أولوية الدول الغربية في مواجهة الحروب البينية الإقليمية والدولية كانت بشكل أساسي السعي وراء المصالح الوطنية والتركيز على الدفاع عن “لون وعرق” معين. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كرر مراسل قناة “سي بي إس نيوز” المحنك في أحد تقاريره الأخيرة عن أزمة أوكرانيا أن “الحرب في أوكرانيا لا يمكن مقارنتها بالعراق وأفغانستان، لأن أوكرانيا دولة أوروبية ومتحضرة!”
في مواجهة القضايا والظواهر الاجتماعية والسياسية والإنسانية وغيرها تعكس وسائل الإعلام عادة الآراء المعلنة والخفية لرجال سياستها والمسؤولين الحكوميين فيها. يؤكد مقدم شبكة bmf tv الفرنسية في تقريره المباشر عن حرب أوكرانيا: “نحن لا نتحدث عن السوريين الذين نجوا من قصف الحكومة السورية المدعومة من بوتين. نحن نتحدث عن الأوروبيين الذين يفرون، و هم يشبهوننا، يفرون على متن السيارة، يفرون حتى ننقذ حياتهم!”
في اليمن يموت عشرات أو حتى مئات المواطنين المدنيين أو يصابون أو يعانون من الفقر والمجاعة كل يوم نتيجة للحرب والصراع، لكن حتى الآن لم تتحرك المؤسسات الحكومية والدوائر السياسية والمراكز الإعلامية ومراكز الفكر الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، ولم تتخذ موقفاً ضد الحرب في اليمن والهجمات المتواصلة للسعوديين على هذه الدولة، كما ظهرت اليوم في مواجهة حرب أوكرانيا.
ما يقرب من 7 سنوات مرت على الحرب اليمنية. خلال هذه الفترة ألحق تحالف العدوان السعودي خسائر مادية باليمن تقدّر بأكثر من 600 مليار دولار. قُتل وجُرح ما يصل إلى 50 ألف مدني باليمن في هجمات شنتها قوات التحالف السعودي. إضافة إلى ذلك، دمر التحالف السعودي حوالي 600 ألف وحدة سكنية وأكثر من 590 ألف مركز خدمي ومدني أو أصابتهم أضرار جسيمة!
على الرغم من كل الخسائر البشرية والمادية، فإن الدول الغربية والأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن لم تتخذ أي إجراء فعال لوقف آلة الحرب السعودية، بل غضوا الطرف عن الأحداث المروعة الناتجة عن الحصار والهجمات الشاملة على اليمن ضد الشعب المظلوم في هذا البلد، وقد أصبحوا نوعاً ما شركاءً في جرائم السعودية والدول التي تحت قيادتها في اليمن. كما أن في العديد من الحروب الإقليمية الأخرى، تم الكشف عن حقيقة العديد من المزاعم والسياسات الكاذبة للولايات المتحدة وأوروبا والمنظمات الدولية فيما يخص حقوق الإنسان.
إن رد فعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الحرب في أوكرانيا يتناقض ويقع في النقطة المعاكسة بشكل صارخ مع موقفهم من اليمن، حيث تقوم السعودية باستهداف جميع المناطق والافراد المدنيين، حتى الأطفال والنساء والمدارس والمراكز الطبية.
بينما تتحدث جميع الدول الغربية عن ظلم روسيا وجرائمها في أوكرانيا، فقد فرضوا عقوبات لا حصر لها على روسيا وأصدروا قراراً ضدها في الأمم المتحدة، لكن هذه الدول نفسها التزمت الصمت والسلوكيات السلبية وأحياناً منحازة في دعمهم للسعودية رداً على المجازر التي ارتكبتها السعودية بحق الشعب اليمني!
لا شك في أن الحرب والعمليات العسكرية في أوكرانيا يجب أن تتوقف، وأن حل التوترات القائمة يجب أن يتم من خلال الآليات السياسية والقانونية، لكن النقطة المهمة هنا هي لماذا لا يرتفع صوت الاحتجاج على الحرب اليمنية؟!
لماذا لم تقم أي دولة غربية بمنع الدول الأعضاء في قوات التحالف السعودي من المشاركة في الملاعب الرياضية بسبب الجرائم التي ترتكب باستمرار في اليمن؟! لماذا لا يظهر الرياضيون من أي دولة في الملاعب والمسابقات الرياضية وهم يرتدون لون العلم اليمني؟! إذا كانت العقوبات الرياضية تشمل حتى الأشخاص ذوي الإعاقة في روسيا الذين تمرنوا منذ شهور للمشاركة في الألعاب البارالمبية!
يظهر تجاور المواقف الغربية بشأن أوكرانيا واليمن أن الحفاظ على “الهيمنة السياسية” والمصالح الوطنية هو أهم خط أحمر بالنسبة للدول الغربية. عندما يتعارض هذا الخط الأحمر مع حياة الإنسان وحقوق الإنسان، تُعطى الأولوية للمصالح الوطنية. إن الانطباعات المصرح بها؛ مثل أن أوكرانيا ليست مثل سوريا والعراق واليمن، وأنها متحضرة وأوروبية وذات عرق أبيض، يفهم منها بأنها ليست سوى عنصرية وسلوك انتقائي وتمييزي.
أخيراً، لابد من التأكيد على أن الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة جميعاً لم ينجحوا أبداً في لعب دورهم “كعامل ردع” للحرب والصراع. لسنوات عديدة، استغلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة أدوات القوة المتاحة لها في النظام الدولي كغطاء لأفعالها غير القانونية وغير الإنسانية. لقد عانى النظام الدولي من الهياكل التمييزية والسلوكيات العنصرية والمقاربات العدوانية والمسببة للأزمات التي تعتبر تمهيداً لإثارة حروب إقليمية، أكثر مما عانى من الحرب مع كونها ظاهرة مروعة.
0 تعليق