المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: لم يُنظر إلى رفض قبول الكيان الصهيوني في الاتحاد الأفريقي على أنه هزيمة جديدة ومهينة لهذا الكيان فحسب، بل سيكون له تأثير سلبي للغاية على مجموعة أخرى من الجهود لإضفاء الشرعية عليه.
جعفر قنادباشي ـ خبير في القضايا الإفريقية
على الرغم من الجهود المكثفة والشاملة من قبل الكيان الصهيوني ليصبح عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، لم تقبل الحكومات الأفريقية بالإجماع هذه العضوية، رافضة ما سبق لمفوضية الاتحاد الافريقي قبوله في خطوة طائشة دون مراعاة وجهات نظر الدول الأعضاء فيه.
عملت عوامل مختلفة معاً، وواجه الكيان الصهيوني حدثاً غير متوقع حيث سعى إلى جعل الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي نجاحاً كبيراً بعد الهزيمة الفاضحة لخطة “صفقة القرن” المثيرة للجدل؛ على وجه الخصوص، كانت الدول الأفريقية في هذا المجال هي التي فرضت، من خلال تأثيرها غير المباشر، مثل هذه الهزيمة المهينة على الكيان الصهيوني.
على الرغم من طرح الجزائر و 11 دولة أخرى على أنها المسبب الرئيسي لهذا الحدث، إلا أن الرأي العام للدول الأفريقية هو الذي لعب دوراً في تحقيق الإجماع على رفض عضوية الكيان الصهيوني.
ترى الدول ذات الغالبية السوداء في جنوب القارة الأفريقية الكيان الصهيوني شبيهاً بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؛ لأن هذا الكيان، القائم على الرؤى الصهيونية، يصف الشعب الفلسطيني بأنه عرق أدنى وأن بني إسرائيل هم العرق الأعلى.
ولهذا السبب فقد طالبوا مراراً وتكراراً الكيان الصهيوني بإنهاء سياساته العنصرية والطائفية في فلسطين، كما هو الحال في جنوب إفريقيا، لكن الدول ذات الغالبية المسلمة في شمال إفريقيا تؤكد على الحاجة إلى دعم إخوتهم وأخواتهم الفلسطينيين من منظور إسلامي، وترى أن ما يتم فعله ضد الفلسطينيين في فلسطين المحتلة هو ظلم مضاعف لإخوانهم وأخواتهم.
ومع ذلك، فإن جميع الدول الأفريقية، بناءً على تجاربها الاستعمارية السابقة في إفريقيا، تعتبر أي احتلال للأرض ذنباً لا يغتفر ويضع الكيان الصهيوني في أدنى موقع في هذا الصدد.
وهكذا يمكن القول إن ما صوّتت عليه الحكومات الأفريقية في قمة الاتحاد الأفريقي هو في الواقع نتيجة الميول الشعبية وصادرة عن الرأي العام الإفريقي، والذي يتعين على هذه الحكومات الالتزام به بشتى الطرق.
لكن الكيان الصهيوني سعى لتحقيق أهداف متنوعة ومهمة للغاية في جهوده ليصبح عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، كان أولها وأهمها محاولة كسر العزلة وترسيخ مكانة هذه الكيان كنظام سياسي شرعي، كما حاول الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، متظاهراً أن القضية الفلسطينية لم تكن انتهت فحسب، بل أن الكيان الصهيوني قد تم قبوله على أنه حقيقة واقعة من قبل جميع الحكومات.
من ناحية أخرى، واجه مشروع تطبيع العلاقات مع دولتين عربيتين أفريقيتين، وهما السودان والمغرب، الكثير من المعارضة الشعبية، ويتطلب سلسلة من الجهود الدعائية الأخرى ليتم اعتباره أمراً طبيعياً. ونتيجة لذلك، ذهب هدف الكيان الصهيوني في محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي إلى ما هو أبعد من تثبيت موقفه وبذل الجهد اللازم لاستكمال مشروع تطبيع العلاقات مع المغرب والسودان؛ بمعنى آخر، لو قبلت الدول عضوية الكيان الصهيوني في الاتحاد الأفريقي، لكانت الحكومتين المغربية والسودانية ستواجهان مشاكل أقل مع شعبيهما في هذا الصدد.
من الأهداف الأخرى لتل أبيب هو الحصول على ترخيص لدخول مجال الاقتصاد، وخاصة للدخول في مجال أنشطة التعدين في البلدان التي لديها معظم الماس والذهب في العالم، وكذلك المعادن الثمينة؛ وكقاعدة عامة، يحاول المواطنون الإسرائيليون وحكومة تل أبيب دائماً احتكار تبادل هذه الأنواع من المعادن من خلال إنشاء مافيا لتجارة الماس والذهب، ومؤخراً التيتانيوم.
بالطبع، تشمل أهداف الكيان الصهيوني في مجال إفريقيا أشياء أخرى أيضاً؛ وذلك لأنه سعى إلى إقامة نشاطه التجسسي والاستخباراتي في المجتمعات الإسلامية بشمال القارة من خلال الحصول على ترخيص بواسطة العضوية في الاتحاد الأفريقي. في الواقع، سعى الإسرائيليون لضمان أن أنشطتهم في هذه البلدان لم تكن تحت المجهر من خلال الانضمام إلى هيئة المراقبة. ومع ذلك، مع تعليق وعدم قبول هذه العضوية في الاتحاد الأفريقي، أصبحت هذه الأهداف بعيدة المنال.
0 تعليق