المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: في الأشهر الأخيرة وإثر اشتداد أزمتها الاقتصادية، تتحدث تركيا في نقلة جديدة عن "شراكة متكافئة" مع الدول الأخرى؛ إلا أنه لاتلوح في الأفق أي بوادر على تراجع التوتر السياسي والعسكري بينها وبين اليونان.
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
تواصل أنقرة وأثينا اتخاذ قرارات عدائية على كافة الصعد السياسية والعسكرية. وبالرغم من الحديث الذي دار بين البلدين بشأن بناء الثقة وتجنب القيام بالأنشطة العسكرية في أيام العطل الرسمية والدينية، تتهم اليونان تركيا بانتهاك مجالها الجوي في الأيام الأولى للعام الميلادي الجديد 37 مرة، حصلت 35 مرة منها بطائرات النقل CN-235 ومرتان بمقاتلات إف-16. تقول اليونان، إنه فضلاً عن انتهاك الطائرات المسيّرة التركية لمناطق يونانية مختلفة، قامت مقاتلات إف-16 تركية بانتهاك المجال الجوي اليوناني مرات عديدة.
يواصل المسؤولون اليونانيون، من مختلف المستويات، هجماتهم السياسية والإعلامية ضد تركيا ويطرح بعضهم توقعات بأن اليونان تواجه توتراً جديداً في علاقاتها مع تركيا. وعلى خلفية الهجمات غير المسبوقة التي شنتها الخارجية التركية ضد الرئيسة اليونانية، ساكيلاروبولو، قالت الأخيرة إن اليونان تبحث عن تعايش وتعاون سلمي مع تركيا لكنها لن تتراجع أمام المزاعم المرفوضة والممارسات التركية الهجومية. وأكدت على أن بلادها لم تنسحب يوماً عن مسار الدبلوماسية بل تتطلع إلى التعاون مع تركيا وإرساء تعايش سلمي وصداقة بين الشعبين بما يخدم مصالح بلادها والمنطقة.
ويرى رئيس الوزراء اليوناني أنه إذا أرادت تركيا تطبيع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي فعليها وضع حد لتصرفاتها الاستفزازية في بحر إيجة وشرق المتوسط وضد اليونان. أما على “المستوى العسكري”، فقد حذر وزير الدفاع اليوناني أن “القوات المسلحة اليونانية، رجالاً ونساء، على أهبة الاستعداد للدفاع عن المقدسات المتمثلة في استقلال وطنهم وحقوق سيادة اليونانيين، في أي وقت اقتضى الأمر”.
يبدو أن المواقف الهجومية التركية ضد اليونان هي للاستهلاك الداخلي وفي إطار التنافس بين أخلاف أردوغان. موضوع عدم عسكرة الجزر التي تلح تركيا عليه ليس أمراً جديداً حيث أنه تمت عسكرة تلك الجزر منذ 30 عاماً؛ أما في اليونان، هناك من يعتقد بأن سياسة أثينا للحؤول دون تحول تركيا لقوة إقليمية لم تكن ناجعة وهو أمر مستحيل وبدون جدوى و على اليونان التي أهدرت الكثير من الموارد من أجله، أن تدرك هذه الحقيقة.
قد تحوّل موضوع توسيع المياه الإقليمية في بحر إيجة إلى أمر مثير للحساسية لدى الطرفين؛ في هذا السياق، اُعتبرت تصريحات البروفيسور كريستوس روزاكيس، النائب الأسبق للخارجية اليونانية، الذي قال إن بلاده بذلت قصارى جهدها خلال المباحثات الاستشارية لإحياء الحوار مع تركيا، وقدمت مقترحات بنّاءة لتركيا خلال المباحثات، بما في ذلك تقليص المياه الإقليمية على 10 أميال بحرية بدل 12 ميلاً بحرياً المصرح بها في معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، اعتُبرت تراجعاً من الطرف اليوناني. يرى المعارضون المحليون أنه يجب على وزارة الخارجية أن توضح هل هي قدمت مثل هذا المقترح خلال جولات المحادثات في عام 2021 وما قبلها أم لا؟ يزعم المعارضون للحكومة أن مواقف اليونان الدائمة تجاه حقوقها المشروعة في توسيع المياه الإقليمية إلى 12 ميلاً بحرياً – والتي ينص عليها القانون الدولي خاصة معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار – لا تزال ثابتة. أما الأتراك فيعتقدون أن توسيع المياه الإقليمية لليونان إلى 12 ميلاً بحرياً في بحر إيجة يزيد مساحة المياه الإقليمية اليونانية من 40 في المئة من مساحة بحر إيجة إلى 70 في المئة من مساحته ويخفض مساحة المياه الدولية من 51 في المئة إلى 19 في المئة. الأمر الذي يعني تراجع حصة تركيا من مياه بحر إيجة إلى أقل من 10 في المئة.
إحدى القضايا الحساسة على الدوام بالنسبة لتركيا هي المنشآت العسكرية لليونان ومشترياتها للأسلحة. يرى وزير الدفاع التركي، الذي هو من منتقدي شراء اليونان الأسلحة من فرنسا والولايات المتحدة، أنه بالرغم من المشاكل الاقتصادية الجدية والمعروفة التي تعاني منها اليونان تتوق أثينا إلى شراء منظومات عسكرية وأسلحة باهظة الثمن وتزيد ميزانيتها الدفاعية باستمرار. تقوم اليونان بإبرام عقود واتفاقيات ومذكرات تفاهم مع مختلف الدول الأعضاء في الناتو. ومع وجود الناتو، فما الحاجة إلى هذه الاتفاقيات؟ من الجهة التي تستهدفها منشآت اليونان العسكرية؟ هذه الأسلحة تفوق الحاجة للدفاع العادي بكثير، لكنها قليلة جداً لمواجهة تركيا. هو يدعو اليونان إلى تجنب الوقوع في الحسابات الخاطئة بتوسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجة من 6 أميال بحرية إلى 12 ميلاً بحرياً وأن لا تختبر ردة فعل تركيا. مصلحة اليونان هي البقاء في نطاق 6 أميال بحرية. تواصل اليونان ممارساتها التوسعية وانتهاك الوضع السائد على 16 جزيرة من أصل 23 جزيرة في بحر إيجة التي تنص المعاهدات الدولية خاصة معاهدة لوزان على إبقائها منزوعة السلاح. تدعي اليونان السيادة على جزر لم تُسلَّم لها وفق أي معاهدة دولية. التصرفات اليونانية الاستفزازية مثل عسكرة الجزر القريبة من تركيا انتهاك للاتفاقيات الدولية. تسعى أثينا إلى تحويل المشاكل بين البلدين إلى مشاكل بين تركيا ـ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو بين تركيا ـ الناتو.
خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي الذي كان في الأسابيع الأخيرة من الشخصيات التركية الأكثر نشاطاً ضد اليونان، يعتقد: “اليونانيون يستغلون أي فرصة لوصف تركيا على أنها تهديد خارجي. ومن خلال إظهار تركيا كتهديد، يسعون إلى انتهاز الفرصة لكسب بعض الامتيازات”. ترى تركيا بأن المشاكل بين البلدين ستتفاقم في ظل التوجهات الشعبوية والرافضة للتسوية لدى بعض السياسيين في اليونان والتي تتعارض مع القوانين والواقع الدوليين. إلى جانب ذلك، تنتقد تركيا بشدة الوجود الأمريكي في قاعدة بمنطقة ألكساندروبوليس في اليونان مشددة على استيائها من وجود القوات الأمريكية في تلك المنطقة لخدمة أهداف البحرية الأمريكية.
عانت العلاقات بين تركيا واليونان، العضوان في الناتو، من التوتر في معظم الأوقات؛ وقد تردّت هذه العلاقات بشكل كبير خلال العام المنصرم ووصل الأمر إلى مواجهة السفن الحربية التركية واليونانية في شرق المتوسط نتيجة الخلافات على الحدود البحرية وكذلك موارد الطاقة التي تزعم اليونان وقبرص امتلاكها في مناطقهما الاقتصادية الخالصة. اقترب البلدان إلى صدام عسكري في العام الماضي على خلفية النزاع بشأن التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط. قد دعت تركيا اليونان عدة مرات إلى تبني حلول سلمية سياسية وليس النهج الهجومي، لكن أثينا تؤكد في مواقفها الرسمية على حقها في توسيع مياهها الإقليمية من 6 إلى 12 أميال بحرية حول جزر بحر إيجة.
0 تعليق