المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أشار عضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات الإستراتيجية الإيراني إلى تنامي حضور الصين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلاً: "يحظى غرب آسيا بمكانة متميزة في السياسة الخارجية المستقبلية للصين وبالنظر لموقعه الجيوسياسي يُنظر إليه كمنطقة رئيسیة في مشروع الحزام ـ الطريق".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، لفت مهدي شابوري إلى زيادة اهتمام الصين بغرب آسيا وقال إن أهمية هذه المنطقة بالنسبة للصين كانت من الناحية الاقتصادية لحد الآن، مضيفاً: “سبقت الصين الولايات المتحدة في حجم التجارة والاستثمار في العالم وتشير التوقعات بأنها ستتخطى الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي كذلك بحلول عام 2030”.
وتطرق إلى تقدم الصين في مجالات البحث والتطوير، والنمو التكنولوجي، والاستثمار العسكري، قائلاً: “قد تحولت الصين إلى شريك اقتصادي كبير لكثير من الدول وعلى ضوء المكانة المهمة التي تحظى بها منطقة غرب آسيا في سياستها الخارجية المستقبلية تعزز الصين حضورها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع ذلك وبالنظر إلى أن هذه المنطقة تزود الصين بـ 50 في المئة من حاجتها للنفط في الوقت الحالي، لقد كانت أهميتها الكبرى تكمن في مجال الأمن وضمان تدفق إمدادات الطاقة”.
وبيّن محلل الشؤون الدولية أن الأسباب البيئية أجبرت الصين على تقليص اعتمادها على استهلاك الفحم الحجري الذي كان يشكل أهم مصادر الطاقة لديها حتى الآن، مضيفاً: “تشير التوقعات إلى أن اعتماد الصين على طاقة الشرق الأوسط سيرتفع من 50% إلى 70% حتى عام 2030. كما أنه من المحتمل أن يولي هذا البلد اهتماماً أكبر بموارد الغاز في الشرق الأوسط”.
ولفت شابوري إلى تطور العلاقات التجارية بين الصين ودول غرب آسيا، مردفاً: “يصل حجم تجارة الصين مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أكثر من 250 مليار دولار حسب بعض التقديرات. ومع أن هذا العدد قد لا يكون ضخماً مقارنة بحجم تجارة الصين مع أوروبا أو الولايات المتحدة، إلا أن لكل تجارة أهميتها في الاقتصاد الصيني العملاق”.
زيادة الاستثمارت الصينية في غرب آسيا
وإذ أكد على أن لغرب آسيا أهمية خاصة لدى الصين، قال إنه من المتوقع أن تنمو الاستثمارات الصينية في هذه المنطقة بشكل لافت نظراً إلى تنفيذ المشروع الحزام ـ الطريق الضخم، مضيفاً: “إحدى الخطوات التي تبنتها الصين في هذا الاتجاه، هي إبرام اتفاقية مع إيران لمدة 25 عاماً يمهد تنفيذها لاستثمارات صينية في البنى التحتية الإيرانية بقيمة 400 مليار دولار وشراء كميات كبيرة من النفط الإيراني”.
وقال عضو هيئة التدريس في معهد الدراسات الإستراتيجية الإيراني إن معظم الاستثمارات الصينية في غرب آسيا كانت في البنى التحتية، مضيفاً: “يحظى غرب آسيا بمكانة متميزة في السياسة الخارجية المستقبلية للصين؛ إذ يُنظر إليه بسبب موقعه الجيوسياسي كمنطقة رئيسية في مشروع الحزام – الطريق”.
وذكر شابوري أن تعامل الصين مع غرب آسيا في المجال العسكري ـ الأمني كان ضئيلاً، مصرحاً: “في حال تابعت الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة بشكل جدي، ستضطر الصين لزيادة تدخلها العسكري ـ الأمني في المنطقة لتأمين تدفق الطاقة. من جهة أخرى، يحظى الوجود الصيني في غرب آسيا بالأهمية لدولها؛ لأن الصين تتمتع بميزة ـ مقارنة بالولايات المتحدة ـ هي أنها لا تهتم بوضع الأنظمة السياسية والشؤون الداخلية للدول فلا تبحث عن قضايا كالديمقراطية وحقوق الإنسان؛ الأمر الذي يُعتبر امتيازاً كبيراً لدول المنطقة المستاءة من تدخلات الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية”.
أهمية الصين لدول غرب آسيا
وأردف قائلاً: “الدول المناهضة للولايات المتحدة، تنظر إلى الصين كورقة لخلق التوازن مع الولايات المتحدة. من جهة أخرى، تعتبر الدول الحليفة للولايات المتحدة أن الصين ورقة يمكن توظيفها من أجل انتزاع امتيازات أكبر في حالات الخلاف مع واشنطن ولذلك تسعى إلى تنويع سياستها الخارجية. في مجال الاستثمار كذلك، تحاول دول المنطقة استقطاب مزيد من استثمارات الصين التي تحولت اليوم إلى أكبر مستثمر في العالم”.
ولمح شابوري إلى التنافس الحثيث بين بكين وواشنطن والتوقعات بشأن تحول الصين لقوة عظمى، قائلاً: “في ظل هذا التنافس، تسعى دول المنطقة إلى إرساء علاقات طيبة مع الصين؛ لأن سجل الصين يخلو من تاريخ استعماري، وخلافاً للولايات المتحدة لا تُعتبر أكبر تهديد للمنطقة”.
وتطرق محلل الشؤون الدولية إلى أهمية دور إيران وموقعها بالنسبة للصين، موضحاً: “خلال العقدين الماضيين، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران؛ في حين أنها لم تكن ذات ثقل كبير في تجارة إيران الخارجية في بدايات عقد 2000. وبينما تمارس الدول الغربية ضغوطاً على إيران في إطار العقوبات، أبدت الصين مواقف داعمة لإيران وحاولت أن لا توقف شراء النفط منها”.
وإذ أشار إلى الاتفاقية المبرمة بين إيران والصين لمدة 25 عاماً والتي ستؤسس لعلاقات واسعة بين البلدين في مختلف المجالات، قال: “على ضوء التنافس بين الولايات المتحدة والصين، تحظى الدول المنتقدة للولايات المتحدة بأهمية خاصة بالنسبة للصين من أجل خلق توازن رسمي أو غير رسمي ضد الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك، تتمتع إيران بأهمية كبيرة للصين من منظور أمن الطاقة؛ حيث تعتمد إستراتيجية الصين في هذا المجال على تنويع مصادر الواردات وتلبية حاجاتها من أطراف مختلفة. لذلك هي تشتري النفط من أي دولة تستطيع بيع النفط لها”.
تخطيط الصين لبناء علاقات مستدامة مع إيران
وشدد شابوري على أن الصين تهتم كثيراً بالاستقلال الذي تتبناه إيران في سياستها الخارجية، قائلاً: “عدم تغيير إيران لسياساتها تحت الضغوط الأمريكية يلفت انتباه المسؤولين في بكين. في هذا السياق، يبدو أن الصين كذلك تخطط لبناء علاقات مستدامة مع إيران”.
بالرغم من ذلك، إذ اعتبر محلل الشؤون الدولية أن العقوبات الدولية تمثل عقبة تعيق تطوير العلاقات بين إيران والصين، لفت إلى رغبة بكين في نجاح المحادثات النووية لتأسيس علاقات واسعة مع طهران، مضيفاً: “يجب أن لا يُنسى أن الصين بصفتها قوة عظمى تمتلك السلاح النووي، لم تواكب إيران في مجلس الأمن. فضلاً عن ذلك، ترغب الصين في وجود علاقات مستقرة بين إيران ودول المنطقة؛ لأنها أسست علاقات طيبة مع جميع دول المنطقة وتريد خفض التوتر فيها إلى أدنى مستوى لتقليص تكاليف تعاملها مع دول المنطقة”.
واختتم شابوري بالتأكيد على أن الصين ستعزز وجودها في الشرق الأوسط مستقبلاً، مضيفاً: “حضور الصين ونفوذها في الشرق الأوسط في طور التزايد، على غرار باقي المناطق في العالم. تزيد الصين سنوياً في استثماراتها في هذه المنطقة وشاركت في الكثير من مشاريع البنى التحتية فيها عبر توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع دولها؛ الأمر الذي ستترتب عليه تداعيات كثيرة”.
0 تعليق