المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: جولة محمد بن سلمان الإقليمية إلى الدول الخمسة؛ سلطنة عمان والبحرين والإمارات والكويت وقطر (أعضاء مجلس التعاون الخليجي) تعتبر أهم حركة سياسية واقتصادية وأمنية لولي العهد السعودي في الأيام الأخيرة من عام 2021. ويتم تفسيرها كخطوة لإصلاح الوضع السعودي الهش في العلاقات الإقليمية والعالمية. وتجدر الإشارة إلى أن أحد أهداف محمد بن سلمان كان التشاور مع مسؤولي الدول العربية في الخليج الفارسي للتوصل إلى توافق في مواجهة بعض القضايا الإقليمية والعالمية، بما في ذلك اليمن وإيران والمفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي وغيرها من الملفات.
حميد خوشايند ـ خبير القضايا الإقليمية
بدأ بن سلمان جولته الإقليمية من سلطنة عمان واختتمها في الكويت، في ظل ظروف صعبة واجهتها السعودية في ساحة السياسة الداخلية والخارجية في السنوات الأخيرة. لذلك، كانت لولي العهد السعودي أهداف ودوافع مختلفة من جولته الإقليمية. على عتبة القمة السنوية الثانية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي، سعى إلى تعزيز أهداف سياسته الخارجية المحلية والإقليمية والدولية من خلال السفر إلى الدول الأعضاء في المجلس، والذي كان بالطبع مصحوباً بتضخم إعلامي.
يتأثر الوضع “غير المستقر” و “غير المواتي” الذي واجهته السعودية في المنطقة بعدد من العوامل، جزء مهم منها ناجم عن السياسات والإجراءات الطموحة التي اتخذها بن سلمان منذ توليه منصب وزير الدفاع في عام 2015 وتعيينه ولياً للعهد في عام 2017.
استمرار الحرب اليمنية، ودعم التيارات المسببة للأزمات والمزعزعة للأمن في بعض الدول العربية والمتنافسة، والتحريض على العنف العرقي والطائفي والديني في المنطقة، وقمع واعتقال العديد من المفكرين والكتّاب والنشطاء الدينيين والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان داخل السعودية وقمع الأمراء المعارضين لتولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، وكذلك الهروب من العقاب والمحاسبة على مقتل خاشقجي، هي من بين الإجراءات والقضايا التي لم تؤد فقط إلى تشويه وهشاشة موقف بن سلمان، بل أدت أيضاً إلى عزلة السعودية السياسية في الخارج، وزعزعة مكانة هذه المملكة في المنطقة والعالم.
يسعى ولي العهد السعودي، وهو في الواقع الحاكم “المحتمل” و “الفعلي” للبلاد، إلى ارتقاء مستوى دوره في المنطقة من خلال تحسين صورته السياسية المشوّهة وحل الخلافات الجيوسياسية وتعزيز العلاقات الخارجية مع حلفاء السعودية، بما في ذلك قطر والإمارات، التي تخلل علاقاتها معها المزيد من التوتر والتباعد.
خلال العام الماضي، أدركت المملكة العربية السعودية بكل وضوح أنه لا ينبغي أن تشد آمالاً كبيرة بالتحالف مع الولايات المتحدة. أدرك البلاط السعودي وبن سلمان نفسه جيداً أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به في التحديات الإقليمية، وكما ظهر خلال العام الأخير، لا يمكن الاعتماد على البيت الأبيض. هذا الأمر لا يتعلق بمجرد وصول بايدن والإدارة الديمقراطية إلى السلطة في أمريكا، بل هو منبعث من آليات القرار السياسي الأمريكي ومساراته التي تنظر إلى الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية بنظرة ربحية؛ الأمر الذي عبّر عنه الرئيس السابق ترامب بلغة بسيطة وعامية بأنها “البقرة الحلوب”!
يعرف بن سلمان ـ باعتباره المسؤول الأول عن متابعة مبادرة رؤية 2030 ومشروع نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار ـ أن هذه الرؤية لم تكن لتتحقق لولا مشاركة دول الخليج الفارسي ودعمها. في إطار رؤية 2030، من المقرر أن تصبح مدينة جدة العاصمة السياسية والتجارية والدينية والإعلامية ونقطة دخول السياح الأجانب إلى المملكة العربية السعودية. إذن من خلال زيارته لدول الخليج الفارسي، كان ينوي للتخطيط والتشاور مع الشركات الأجنبية لنقل مكاتبها إلى جدة.
فضلاً عن ذلك، فإن البلاط السعودي، مع علمه بأن دول الخليج الفارسي ابتعدت عن بعضها في المواقف الموحدة والتنسيق في اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن القضايا الإقليمية والدولية، يسعى إلى تعزيز آليات ترقية التآزر والتنسيق والتوافق حول القضايا الإقليمية والدولية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تزامن جولة بن سلمان الإقليمية مع العملية الاستراتيجية الكبرى لأنصار الله لتحرير مأرب، والتي أغرقت المملكة في مأزق ميداني وعسكري وسياسي واستراتيجي شديد، تعطي هذا الانطباع بأن الرياض تستعين بشركائها في مجلس التعاون الخليجي لإيجاد حل شامل بأقل التكاليف للخروج من وضعها الصعب في اليمن. بالطبع، في الأيام الأخيرة، قدمت السعودية أيضاً خطة فاشلة مسبقاً لإنهاء الحرب في اليمن، تقوم على توطيد حكومة منصور هادي في اليمن وقبولها من الجانبين. والرياض بحاجة إلى تعاون الدول العربية، خاصة الإمارات وقطر، لتنفيذ هذه الخطة.
تعد قضية إيران أحد الدوافع الرئيسية لزيارة ولي العهد السعودي إلى المنطقة، والتي تمت في خضم مفاوضات إيران النووية مع مجموعة 4 + 1. من خلال زيارته إلى العواصم العربية في الخليج الفارسي، سعى ولي العهد السعودي إلى الاستفادة من لوبيات هذه الدول في الولايات المتحدة وأوروبا للتأثير على محادثات فيينا، فضلاً عن إمكانية إدراج القضايا الإقليمية والصاروخية في المفاوضات.
كانت معاقبة لبنان ومواجهة حزب الله عبر التشاور المباشر مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي هدفاً آخر لزيارة بن سلمان لدول الخليج الفارسي. خاصة وأن الرياض أدركت في الأشهر الأخيرة أن جزءاً كبيراً من ملف الحرب اليمنية يدار من قبل حزب الله. في الوقت نفسه، لم يتعافى بن سلمان من حقده على وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي. لأن قرداحي تطرق مؤخراً إلى نقطة حرجة بإدانة التصرفات السعودية في الحرب اليمنية وتسبب بطريقة ما في ضربة نفسية شديدة للسعودية.
خلال الزيارة، تم إبرام اتفاقيات ثنائية بين السعودية وبعض الدول العربية في الخليج الفارسي في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري وغيره، والتي تعتبر هامة في إطار العلاقات الثنائية، وهي من بين الأهداف الجانبية لزيارة بن سلمان الإقليمية.
0 تعليق