المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا حول عودة العسكر للحكم أو الانقلاب العسكري في السودان: "يمثّل هذا الحدث ضربة قوية لآمال المواطنين في عودة الديمقراطية إلى هذا البلد الأفريقي".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال جعفر قناد باشي: “يقدّم المحللون رؤى مختلفة بشأن ما حصل في السودان والذي سمّي بالانقلاب. يرى بعض المحللين أن هذا الانقلاب هو نتاج السياسات الأمريكية الحديثة في شمال أفريقيا، بينما يعتبره البعض حصيلة التنافس بين القوى المدعومة سعودياً مع القوى التابعة للإخوان المسلمين”.
وأضاف: “يبدو أن أياً من الرؤيتين لا يمكنها تفسير حقيقة ما قام به العسكر في السودان والذي عُرف بالانقلاب، بل حتى أنهما تحرفان الأفكار عن الحقائق الموجودة في هذا البلد”.
ووفقاً للخبير، يجب البحث عن جذور هذه الحركة ـ التي تمت على مرحلتين خلال شهر تمثلّتا في انقلاب فاشل ثم انقلاب ناجح ـ في الاستياء الشعبي الحاد وعجز العسكر عن تخفيف حدة هذه الاضطرابات أو إنهائها”.
وأكد: “بعبارة أخرى، سعى العسكر في السودان بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان ثني المواطنين عن مواصلة الاحتجاجات عبر إطلاق تسوية حسابات في إطار هيكل الحكم ثم فرض أجواء أمنية على البلاد. بمعنى أنهم أرادو إبطال مفعول الحركة المناهضة للعسكر عبر هذه الخطوة”.
وعن دور الولايات المتحدة في هذه التطورات، قال قناد باشي: “في الحقيقة، إن ما جرى كان خطة لعب المبعوث الأمريكي دوراً أساسياً في وضعها من خلال تواجده في الخرطوم ودعم قرار الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني، في إبعاد الطرف المدني من هيكلية الحكم في البلاد. وهو قرار تعتبره أمريكا والكيان الصهيوني والسعودية السبيل الوحيد لوقف الممارسات المناهضة للحكومة في السودان و تغلّب العسكر على موجة الاحتجاجات العامة في البلاد”.
وبيّن الخبير أن هذه العملية شبه الانقلابية لا تتطابق مع أي من تعاريف الانقلاب، مضيفاً: “رغم فرض الأجواء الأمنية في السودان وعمليات القمع التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، لم يحقق العسكريون أياً من أهدافهم حتى الآن. والحال أن معظم الأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية واتحادات أصحاب العمل تستمر في إبداء معارضتها لاستمرار حكومة البرهان، بل وترفض أي محادثات تصالحية مع حكم العسكر مطالبة بتنحّي رئيس الحكم العسكري”.
وأشار قناد باشي إلى أن العسكريين في السودان حاولوا حصر المطالب الشعبية في عودة السياسيين للسلطة وإعادة عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء المعزول، مضيفاً: “على هذا الإساس، أطلقوا وعوداً بشأن إعادة السياسيين للحكم إلى جانب العسكريين. إلا أن هذا التدبير لم يساهم شيئاً في تهدئة الأوضاع ووضع حد للمظاهرات والاحتجاجات العامة. حيث أن الاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني من جهة وأكبر الأحزاب السودانية من جهة أخرى أصدروا بيانات مختلفة تؤكد على ضرورة استمرار الاحتجاجات ضد العسكر وتقترح خرائط طريق مختلفة لتسلّم حكومة مختارة من قبل الشعب السلطة”.
وفي ما يتعلق بجذور هذه الأحداث قال: “لم تنبثق حركة الاحتجاجات نتيجة عدم فاعلية العسكريين في إدارة الشؤون خاصة توفير أدنى قدر من المعيشة للمواطنين في السودان فحسب، بل وإن جزءاً كبيراً منها يعود إلى السياسة الخارجية المُذِلّة التي انتهجها العسكر تجاه الكيان الصهيوني والسعودية وأمريكا “.
وأردف قائلاً: “في هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى الكراهية السائدة لدى الشعب السوداني ضد التيارات الوهابية المرتبطة بالسعودية من جهة، والتشاؤم والرفض الشعبي الحاد لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من جهة أخرى”.
وقال الخبير في الشأن الأفريقي إنه من منظور الشعب السوداني يواجه الجنرال البرهان اتهام أنه في عهد عمر البشير أرسل جنوداً سودانيين إلى اليمن لدعم العدوان السعودي ضد هذا البلد. ولذلك، حظي بدعم السعودية والإمارات من بداية تسلّمه السلطة السياسية في السودان”.
وإذ أكد على أن تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب وكذلك علاقات البرهان السرية مع مسؤولي الكيان الصهيوني وتحركات نائبه حميدتي المشبوهة تعتبر ذنب لا يغتفر من منظور الشعب السوداني وهو ما يثير الشك بشأن أهليتهما للحضور في رأس السلطة، قال: “باعتقاد الشعب السوداني، هذان الشخصان وغيرهما من العسكريين مماثلي التوجه لهما خونة في حق الوطن نتيجة اتخاذ هذا التوجه وعلاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني”.
وعن دور السعودية والإمارات في الانقلاب الأخير في السودان، قال: “خلال أحداث الانقلاب، قامت السعودية والإمارات – فضلاً عن الولايات المتحدة – بالكثير من الخطوات كإرسال مبالغ مالية لرؤساء الأحزاب السودانية للحيلولة دون سقوط حكم العسكر، وهي جهود لم تكن مثمرة لحد الآن”.
واختتم بالحديث عن آفاق المستقبل قائلاً: “إن إلحاح العسكر وداعميه على البقاء في السلطة من جهة وإلحاح الناس على ضرورة تنحي العسكر من جهة أخرى أدخل السودان في طريق مظلم يؤدي بالبلد إلى مستقبل مكتنف في الغموض. كما أنه ورغم جهود الوساطة والمحادثات التي تجري وراء الكواليس لا يلوح في الأفق حتى الآن أي مخرج لتجاوز السودان هذه المرحلة العصيبة”.
0 تعليق