المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: خلال الأسابيع الأخيرة، زادت الاتصالات والمحادثات بين مسؤولين كبار في بعض الدول العربية والحكومة السورية. تُعتبر رغبة الدول العربية في استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق "منعطفاً" مهماً في التطورات السياسية السورية والذي من شأنه أن توفر فرصة ثمينة لهذا البلد لتعزيز موقعها الدولي وإعادة الإعمار وإحياء اقتصادها وتجارتها الخارجية.
حميد خوش آيند ـ باحث في شؤون الشرق الأوسط
إعادة العالم العربي علاقاته مع سوريا
في الأسابيع الأخيرة وللمرة الأولى منذ 10 أعوام، أجرى العاهل الأردني عبد الله الثاني و ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، اتصالين هاتفيين مع بشار الأسد. وكانت مناقشة سبل تعزيز وتطوير التعاون الثنائي المحور الرئيس لمحادثة العاهل الأردني وولي عهد أبو ظبي مع الرئيس السوري. وكبادرة حسن نية، طلبت السلطات الأردنية من وسائل الإعلام والمسؤولين في البلاد وقف الهجوم والانتقاد ضد القيادة والجيش السوريَين. كما اجتمع وزراء طاقة سوريا ولبنان ومصر والأردن في عمّان مؤخراً واتفقوا بشأن التسريع في تفعيل خط الأنبوب العربي لنقل الغاز من مصر إلى لبنان.
يعمل مسؤولو مصر، بصفتها إحدى أهم الدول العربية، عبر طرق مختلفة كزيارات سرية للوفود السياسية والعسكرية والأمنية، على ترتيب أول حوار مباشر للرئيس المصري مع بشار الأسد. كما دعى البرلمان المصري مؤخراً إلى إعادة بناء العلاقات مع سوريا. في سبتمبر الماضي وفي حدث هو الأول منذ اندلاع الأزمة السورية، التقى وزيرا خارجية البلدين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. في نفس الوقت، استخدم الرئيس المصري، الجنرال السيسي، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة تعبير “عمق إستراتيجي لمصر” لوصف سوريا. عدا كل ذلك، زار رئيس الاستخبارات العامة السعودية، خالد الحميدان، سوريا والتقى ببشار الأسد و علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، في خطوة تهدف إلى إنشاء قناة تواصل مع الطرف السوري.
يجدر بالذكر أنه عدا الكويت وقطر والسعودية، فقد أعادت باقي دول الخليج الفارسي فتح سفاراتها في سوريا.
الأسباب والدوافع
شهدت سوريا خلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و 2018 إحدى أطول الحروب الإقليمية. حيث كانت الإطاحة بالنظام السياسي في سوريا وبشار الأسد في مقدمة أهداف الإرهابيين والمقاتلين المحليين ورعاتهم الأجانب. بعد مضي 10 سنوات على بدايات غرق سوريا في مستنقع أزمة عميقة ومعقدة كان للمتغيرات والعوامل الخارجية الدور الأبرز فيها، ظهر اليوم للجميع أن سوريا حكومة وشعباً هي “المنتصر الحقيقي” في هذه الحرب. الحرب التي كان من المقرر أن تعزز النفوذ الأمريكي، أدت إلى تعزيز موقع أعداء أمريكا في المنطقة.
خلال العامين الماضيين كذلك، حققت الحكومة السورية نجاحات إستراتيجية فريدة في المجالات الميدانية والسياسية والعسكرية لم تزد من ثقلها ومكانتها السياسية في المعادلات الإقليمية فحسب وإنما بين الدول العربية كذلك. سوريا التي خرجت بفضل مقاومتها وصمودها منتصرة من إحدى أشد أزمات العالم تعقيداً وتدميراً وخطراً في القرن الأخير، تتمتع اليوم بقوة أكبر بعدة مرات مما كانت عليه قبل الأزمة؛ هذه هي “الحقيقة” غير القابلة للإنكار التي أدركتها الدول العربية فبدأت تسعى إلى استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، متراجعة عن مواقفها التي ظلت عليها لعشر سنوات.
لا شك في أن القضاء على داعش في عام 2018 بصفته أهم أسباب خلق الأزمة في سوريا واستعادة الأخيرة سيادتها على جزء كبير من أراضي البلاد، يلعبان دوراً مهماً للغاية في إقبال الدول العربية نحو الانفتاح الدبلوماسي تجاه دمشق. باستثناء مناطق الواقعة في شمال غرب سوريا والتي تخضع لسيطرة جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، تسيطر الحكومة السورية على باقي المناطق المحررة. وانتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن استعداد الجيش السوري لإطلاق عملية واسعة لتطهير المناطق المختلفة في محافظتي إدلب وحلب (لوزة وجسر الشغور ومرعيان وحرش باتنتة ودار عزة وأحسم ومحيط الفوعة وكفريا و …) من وجود القوات الأجنبية المعتدية والإرهابيين. وبكل تأكيد، سيكون لهذه العمليات التي من المحتمل أن تُطلَق في الأسابيع المقبلة دور فعال في إنهاء الحياة العسكرية للجماعات الإرهابية المتبقية على الأراضي السورية.
مجموعة هذه التطورات، إلى جانب إعادة انتخاب بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفشل قانون عقوبات قيصر الأمريكي، وانسحاب أمريكا من أفغانستان وخروج سوريا من ضمن أولويات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، عززت القناعة لدى الدول العربية بضرورة فصل طريقها عن مصالح البيت الأبيض؛ لأن ما يلوح في الأفق من هزيمة أمريكا في سوريا وكذلك الموقع المهم والحيوي والجيوسياسي للأخيرة دفعا الدول العربية إلى التوجه نحو استعادة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع سوريا.
التداعيات الإستراتيجية
عودة العلاقات بين الدول العربية ودمشق تعني فشل كافة المخططات الصلبة والناعمة الرامية إلى الإطاحة بالنظام السياسي القائم في سوريا. وعلى المستوى الإستراتيجي، يُعَد ذلك فرصة مهمة أمام الحكومة السورية لتجاوز التبعات والأضرار الناجمة عن 10 سنوات من الحرب والصراع.
وتيرة التطورات التي تُلاحظ في علاقات الدول العربية مع سوريا، ستعزز الموقع الإقليمي والدولي لسوريا وبالتالي جبهة المقاومة و ستساعد على استعادة هذا البلد دوره المفصلي في معادلات المنطقة.
كما يجب اعتبار إبراز دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية نتيجة دعمها لسوريا في سنوات الأزمة، وإضعاف لعبة الكيان الصهيوني في المنطقة، وتعزيز دور سوريا كعامل لخلق التوازن، وتهيئة أجواء مؤاتية لتحقيق التماسك بين دول محور المقاومة مع باقي الدول، وبالتالي تخفيض التوترات الإقليمية، من تداعيات إحياء العلاقات بين الدول العربية وسوريا.
0 تعليق