المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أوضح باحث وصحفي أفغاني تداعيات تجميد الأصول الأفغانية على معيشة الشعب، مؤكداً: "ينبغي على المجتمع الدولي إحلال دعم الاقتصاد والحفاظ على بنية البلد قائمة موقع الصدارة بين أولوياته بدل غيره من القضايا السياسية ـ الاجتماعية للحيلولة دون انهيار النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي نهائياً ونشوب حرب أهلية".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار سيد عباس حسيني إلى تداعيات تجميد الأصول الأفغانية على معيشة المواطنين واعتبر ظروف البلد معقدة ومتفاقمة، قائلاً: “رغم نجاح طالبان في منع الانهيار الكامل للدولة والنظام في أفغانستان في ما يتعلق بالجانب الأمني والهيكليات السياسية، إلا أن ما يلوح في الأفق القريب هو الانهيار الكامل للنظام الاقتصادي والاجتماعي في البلد”.
وإذ لفت إلىى مواجهة أفغانستان أسوأ موجة جفاف منذ 50 عاماً، أضاف: “80 بالمئة من الأفغان مزارعون والجفاف الحالي يدفع أفغانستان إلى حافة المجاعة نتيجة تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية؛ و تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف الشعب الأفغاني أي حوالي 18 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، ويواجه 14 مليون منهم خطر المجاعة”.
وقال الخبير في الشأن الأفغاني إن 72 بالمئة من سكان أفغانستان يعيشون على أقل من دولار واحد للفرد يومياً، مضيفاً: “اضطر الكثير من سكان المدن إلى بيع أثاث منازلهم بأثمان زهيدة لتوفير لقمة عيش لعوائلهم”.
اعتماد الاقتصاد الأفغاني على وجود القوات الأجنبية
واعتبر حسيني اعتماد الاقتصاد على وجود القوات الأجنبية مشكلة أخرى تواجهها أفغانستان، مردفاً: “مع الأسف، أدخل أداء القوات الأمريكية والناتو في أفغانستان خلال السنوات الماضية اقتصاد البلد في حلقة مفرغة بجعله معتمداً على وجود تلك القوات والخدمات التي كانت تقدمها أو تطلبها. فأفقد انسحابها غير المسؤول عشرات آلالاف الأفغان فرص عملهم”.
وأضاف أنه بعد وصول طالبان للسلطة جمدت أمريكا حوالي 9.5 مليار دولار من الأصول الأفغانية 7 مليارات منها في البنوك الأمريكية، موضحاً: “أعلن القطاع الخاص الأفغاني أنه لم يعد قادراً على الوصول إلى ما يقارب 3 مليارات دولار من أمواله نتيجة تجميدها. في ظل اعتماد النظام المالي والمصرفي الأفغاني على الدولار، يعتبر تجميد أمريكا تلك الأصول دقّ مسمار آخر في نعش النظام الاقتصادي والاجتماعي والحكومي بأفغانستان”.
وأكد الباحث الأفغاني: “أبرمت أمريكا اتفاقية مع طالبان قبل عامين. آنذاك لم تكن طالبان جماعة إرهابية خاضعة للعقوبات! فجلس وزير الخارجية الأمريكي مع ملا برادر على طاولة واحدة وكان قد غمره الفرح من الاتفاق الذي حصل بينهما! فلماذا تطبّق اليوم العقوبات الشاملة ضد طالبان التي وصلت للسلطة بدعم أمريكي! تمارس أمريكا العقوبات المالية والمصرفية على أفغانستان في حين أن معيشة الشعب الأفغاني وحياته رهن لتلك الأصول”.
أزمة السيولة؛ الأزمة الرئيسة والجدية في أفغانستان
وأوضح حسيني تداعيات تجميد مداخيل رجال الأعمال الأفغان على معيشة الناس في أفغانستان، خاصة الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية والمحروقات، مضيفاً: “الأزمة الرئيسة والجدية في أفغانستان اليوم هي أزمة السيولة التي نجمت عن تجميد الأصول”.
وإذ لفت إلى تصريحات عضو سابق في المجلس الأعلى للمصرف المركزي الأفغاني في الحكومة السابقة بشأن ضرورة سماح المجتمع الدولي بوصول احتياطيات أفغانستان من العملة الصعبة إلى طالبان بشكل محدود لتتمكن من دفع رواتب الموظفين وإنقاذ الناس من الأزمة الاقتصادية والجوع، صرح: “عدا المشاكل المعيشية لدى المزارعين، هناك عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين في أفغانستان لم يتلقوا أي راتب منذ حوالي أربعة أشهر”.
ولمح الصحفي الأفغان واجبات طالبان تجاه الأزمة الاقتصادية والمعيشية في أفغانستان واعتبر محادثاتها مع الوفد الأوروبي ـ الأمريكي في قطر بناءة وذكية، قائلاً: “تؤكد طالبان على ضرورة عدم تحويل المساعدات الإنسانية وتحرير الأصول الأفغانية إلى قضية سياسية وأداة لدى الغرب لانتزاع الامتيازات وذريعة بيده”.
فهم طالبان لمحيطها والعالم
وقال حسيني إن طالبان تفهّمت واقع محيطها والظروف الدولية وهي ترسل اليوم رسائل واضحة وصريحة للمجتمع الدولي، مصرحاً: “طريقة نظرة مسؤولي الدول ومنظمات الإغاثة بدأت تتغير بعد زيارة كابول. كما تطالب طالبان بإطلاق الأصول الأفغانية لمساعدة الشعب الأفغاني، تحت إشراف المنظمات المالية الدولية ووفق شروط تحددها هذه المنظمات ومؤسسات الإغاثة”.
وإذ أشار إلى وجود شفافية في إدارة طالبان للموارد المالية وممتلكات الحكومة، ذكّر بالفساد الواسع في الحكومة السابقة في أفغانستان ونهب المال العام وأدائها الفاشل، مضيفاً: “إذا كانت حياة الشعب الأفغاني تحظى بأهمية للمجتمع الدولي ولا ينوي انتزاع الامتيازات من طالبان باتخاذ ذرائع، فعليه ـ وحتى في حال عدم ثقتها في طالبان ـ أن يبادر في أقرب وقت بإطلاق خطة مشتركة برعاية الأمم المتحدة لتحرير احتياطيات أفغانستان من العملة الصعبة بإشراف عالمي وبدء عملية إغاثة واسعة قبل حلول الشتاء كأولوية أساسية وجدية”.
وأضاف محلل الشأن الأفغاني: “نرى التعبير عن هذه المخاوف بشكل ظاهري في تصريحات المسؤولين الأوروبيين، لكن دون اتخاذ أي خطوة فعلية بهذا الصدد. بينما اعترفت أمريكا والناتو بطالبان فعلاً عبر اتفاق الدوحة، تصريحات مسؤوليهما الحالية تمثل مزحة مُرّة لا يمكن القبول بها. فلو لم يكن يعترف هؤلاء بطالبان، لما سقطت الحكومة الأفغانية السابقة”.
واختتم الخبير قائلاً: “تتحمل أمريكا والناتو المسؤولية تجاه الوضع الراهن في أفغانستان وفضلاً عن تحرير أصولها، يجب عليهما ضمان تمويل ما لا يقل عن 50 بالمئة من ميزانية الحكومة الأفغانية لخمس أو عشر سنوات مقبلة وتمويل مشاريع إعادة الإعمار في البلاد”.
0 تعليق