المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ رأي: إلتقی الرئیس الترکي رجب طیب أردوغان و نظیره الروسي فیلادیمیر بوتین في 29 سبتمبر بمدینة سوتشي الروسیة المطلة علی البحر الأسود و تباحثا معاً. بالطبع، المدة القصیرة لهذا اللقاء، مقارنة مع اللقاءات الطویلة السابقة قد جذب إنتباه المحللین الذين عززوا ذلك الى حدة الخلافات بین الطرفین بشأن بعض الموضوعات. التقی اردوغان و بوتین حتی الآن، 26 مرة وجهاً لوجه و تباحثا معاً، منذ ظهور أزمة المقاتلة في نوفمبر 2015 أي عندما اسقطت ترکیا المقاتلة الروسیة. و قد إلتقی قادة البلدين آخر مرة في 5 مارس 2020 في موسکو.
محمود فاضلي ـ محلل في الشؤون الدولیة
و جری اللقاء الأخیر بعد اسبوع من إنتقاد حالة العلاقات الترکیة مع إدارة الرئیس الأمریکي جو بایدن، الذي قال إنه “لاتوجد عملیة جیدة في العلاقات الترکیة الأمریکیة”. وخلال الإجتماع تباحث الجانبان، بالإضافة إلی العلاقات الثنائیة، قضایا مختلفة مثل سوریا و لیبیا و کاراباخ و العلاقات التجاریة و شراء الحزمة الثانیة من منظومة الدفاع الصاروخي S- 400 و الغاز الطبیعي و التطورات الإقلیمیة. و في هذا الإجتماع بیّن الجانبان خطوطهما الحمر في موضوعات حیویة بما في ذلک المناطق الکردیة إلی شبه جزیرة القرم، و من أفغانستان إلی لیبیا و من القوقاز إلی سوریا.
وأعلن أن تصعید حدة التوتر في الفترة الأخیرة في مدینة ادلب السوریة هو الموضوع الرئیسي في جدول أعمال هذا الإجتماع. وبعد هجوم موسکو الأخیر علی مواقع المعارضین حول ادلب، نظراً لإمکانیة الغاء وقف اطلاق النار بموجب إتفاقیة روسیة ترکیة في 5 آذار/مارس 2020 تصاعدت المخاوف في هذه المنطقة. وإتفق أردوغان و بوتین علی الحفاظ علی الوضع الراهن في منطقة إدلب، و أدى الموضوع إلی تأزم في علاقات موسکو بأنقرة خلال السنوات الأخیرة. وعلی الرغم من أن الرئیس السوري یحاول إنهاء الحرب الأهلیة التی إندلعت منذ 2011 بالسیطرة علی إدلب بإعتبارها آخر نقطة مقاومة رئیسیة بید المعارضة. ویعتبر عدم الإلتزام بوقف اطلاق النار في المنطقة و استعداد روسیا و القوات السوریة لإجراء عملیات علی أنه عامل لتصعید التوترات في المنطقة.
وبعد الإجتماع الأخیر بین أردوغان و بوتین في سوتشي، تم ترکیز الإهتمام علی إدلب. کما أن بعد الإجتماع الأخیر في سوتشي، زعمت ترکیا أنه لم یتم إجراء أي تغییر علی نقاط المراقبة الترکیة في ادلب، و ماتزال المفاوضات مستمرة مع روسیا لإعادة تنفیذ الدوریات المشترکة. وإتفق الجانبان علی الإلتزام بإتفاقیة 5 آذار/مارس. نهج موسکو بشأن ادلب واضح تماماً. موسکو تعتقد أن الجهادیون الرادیکالیون یستخدمون القواعد العسکریة الترکیة في ادلب و ضواحیها کـدرع ضد الجیش السوري. وبالطبع، ستعطي روسیا عاجلاً أم آجلاً الضوء الأخضر للجیش السوري لإستعادة إدلب. ویعتقد وزیر الخارجیة الروسي سیرغي لافروف ایضاً في أحدث مواقفه أن التهدیدات في إدلب مازالت مستمرة. قامت بعض المجموعات الإرهابیة بتکثیف نشاطاتها في هذه المنطقة و هاجمت القوات الروسیة ایضاً. یجب أن تغادر هذه المجموعات الإرهابیة هذه المنطقة بسرعة.
ومنذ عام 2017 حتی الآن، قامت انقرة و موسکو بإجراء مفاوضات مکثفة بشأن ادلب. کان الهدف الرئیسي من تلك المفاوضات هو الحیلولة دون وقوع کارثة إنسانیة في ادلب والقضاء علی الجماعات الإرهابیة في المنطقة. ونصت إتفاقیة سوتشي الموقعة بین ترکیا و روسیا في اکتوبر 2019 ، علی انسحاب عناصر مجموعة “ی ب غ” الإرهابیة علی بُعد 30 کلم جنوب الفرات. و في هذا الإطار، أکد اردوغان مخاطباً نظیره الروسي علی ضرورة تنفیذ إتفاقیة سوتشي في أسرع وقت ممکن.
وفي إجتماع سوتشي الأخیر، کان موضوع منظومة الدفاع الصاروخي S-400 محل الإهتمام. في هذا الإجتماع، وفی إطار إستمرار التعاون الترکي الروسي بشأن منظومة الدفاع الصاروخي إس – 400 ، أشار اردوغان إلی هذا الموضوع. ویقال إن في أمریکا، قد أکد الأمریکیون علی ضرورة قیام الرئیس الترکي رجب طیب اردوغان بإلغاء شراء منظومة الدفاع الصاروخي إس -400. وفي إشارة إلی إمکانیة شراء الحزمة الثانیة من منظومة الدفاع الصاروخي إس – 400 من روسیا، لم یکتف أردوغان بإرسال رسالة قویة إلی بایدن، الذی أغلق الأبواب أمامه فحسب، بل مدّ یده للتعاون إلی روسیا. ویعتبر إتفاق ترکیا علی شراء الحزمة الثانیة من منظومة الدفاع الصاروخي إس -400 من روسیا، الإنجاز الرئیسي لبوتین في قمة سوتشي. وسیکون 5 نوفمبر المقبل، موعداً حاسماً لمنظومة إس -400 و سيزداد التوتر في هذا التأریخ لأن في هذا التأریخ ، ستبدأ ترکیا نشاطاتها المرتبطة بتوفیر خریطة طریق لـشراء الحزمة الثانیة من منظومة الدفاع الصاروخي إس -400 من روسیا.
قیام ترکیا بشراء منظومة إس -400 من روسیا یعتبر احد مخاوف الغرب، خلال السنوات الأخیرة. ووفقاً لإتفاقیة التي وقعت نهایة عام 2017، قامت ترکیا بشراء أنظمتي الدفاع الصاروخي من طراز إس _400 من روسیا بقیمة 2.5 ملیار دولار. ولهذا السبب، تعرضت ترکیا لعقوبات CAATSA الأمریکیة (قانون مکافحة العدو الأمریکي عبر فرض العقوبات) و تم استبعادها من مشروع استلام مقاتلات إف – 35 ایضاً. و رفض اردوغان الإنتقادات القائلة بأن ترکیا بشراء منظومة الدفاع الصاروخي المتطورة من روسیا، أضعفت الناتو بإعتباره التحالف العسکري الأهم للغرب و رد علیها: “أننا عضو في الناتو من جهة و من جهة اخری لدینا علاقات مع روسیا، فلماذا یجب أن نختار واحدة؟”
وأضاف أردوغان: “نشتري الأسلحة التي نحتاجها. لو باع الأمریکیون منظومة الدفاع الصاروخي من طراز باتریوت لترکیا، لما اضطررنا إلی شراء منظومة إس -400. یمکننا تعزیز قدرتنا الدفاعیة کما نشاء”. ووفقاً لما قاله مدیر شرکة تصدیر الأسلحة العسکریة الروسیة، فأن أنقرة و موسکو ستوقعان قریباً إتفاقیة جدیدة بشأن منظومة الدفاع الصاروخي من طراز إس -400. و هناک ایضاً شائعات بأن ترکیا قد تشتري مقاتلات من طراز SU-35 و SU-57 من روسيا.
0 تعليق