المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ مذكرة: في السنوات الأخيرة، وبسبب التغيرات الجيوسياسية والهيكلية في النظام الدولي، فضلاً عن تراجع قوة الولايات المتحدة، تمكنت "إيران وروسيا" بصفتهما لاعبين عالميين مهمين من الحصول على حصة أكبر في لعبة القوة، ثم حاولا إنشاء آليات للتعاون المتبادل في جميع المجالات (الاقتصادية والعسكرية ـ الأمنية والسياسية) بالإضافة إلى تنمية قدراتهما ومصالحهما الوطنية من أجل دفع عجلة السياسات الإقليمية والدولية.
عارف بيجن ـ خبير في القضايا الروسية
تشير الدلائل إلى أن إيران وروسيا تشتركان في مصالح استراتيجية في علاقاتهما الثنائية (الاقتصادية والعسكرية ـ الأمنية) والإقليمية (دورهما في النظام الأمني الجديد لمنطقة الشرق الأوسط) والدولية (الاتفاق النووي ومواجهة الأحادية الأمريكية).
1ـ التعاون في المجال الدفاعي ـ العسكري
أصبحت الاتفاقيات العسكرية ـ الدفاعية وكذلك المناورات الروسية الإيرانية المشتركة من أكثر مجالات التعاون حركيةً بين البلدين في السنوات الأخيرة. وفي نفس السياق، سافر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف آنذاك إلى موسكو مرتين في صيف 2020 ـ الأولى في شهر يونيو والثانية في شهر يوليو ـ وبعد ذلك بدأت روسيا في بيع أسلحة عسكرية لإيران مع انتهاء العقوبات المفروضة على إيران.
كما أن زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى الجمعية العسكرية للجيش في عام 2020، التي عقدت في الفترة من 23 إلى 29 أغسطس في روسيا، أثارت التكهنات بأن موسكو وطهران ستعززان التعاون الفني والعسكري بعد إنهاء حظر الأسلحة المفروض على إيران. و يمكن لروسيا، التي تريد التعاون مع إيران، أن تكون مصدراً مهماً لأنظمة الأسلحة المتقدمة والمعدات العسكرية والتقنية.
2ـ المشاركة الثنائية في نظام الشرق الأوسط الجديد
دخلت منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية في نظام أمني جديد منذ بداية الربيع العربي في عام 2011. ربما رأينا أقل تعاون بين إيران وروسيا في هذه المنطقة قبل بدء هذه الأزمة؛ ومع ذلك، فإن المصالح المشتركة للبلدين في احتواء الجماعات الإرهابية ومنع تواجدها، وكذلك في مواجهة الأحادية الأمريكية، أرست تقارباً وتنسيقاً جيداً بينهما. ولعل أهم مثال على التغيرات في العلاقات الإيرانية الروسية هو التعاون بين الجانبين في منطقة الشرق الأوسط الزاخرة بالأزمات، لا سيما في ملف سوريا والعراق. مع التطورات التي حصلت في سوريا والعراق وخلق فراغ للسلطة في المنطقة، تمكنت إيران وروسيا من ملئه بنجاح. يشتمل النفوذ المتنامي والتأثير المتزايد للدولتين في المنطقة الآن على العلاقات الوطيدة مع حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا وحماس في فلسطين والحكومة العراقية والحوثيين في اليمن. في المقابل، لم يقتصر التعاون العسكري بين إيران وروسيا في محاربة الإرهاب على الساحة السورية؛ وفقاً لبعض التقارير، أقامت إيران وروسيا، بالتعاون مع سوريا والعراق، مركزاً للتبادل الاستخباري ضد داعش في بغداد لتبادل المعلومات وتحليلها.
طهران حليف فاعل لموسكو في منطقة غير مستقرة للغاية. يبدو أن الحرب السورية أهم مجال للتعاون بين موسكو وطهران، نظراً لمحوريتها حول الأهداف الاستراتيجية للطرفين.
العوامل الرئيسية الثلاثة التي تؤثر على مكانة إيران في الشرق الأوسط وجودة العلاقات الروسية الإيرانية في السنوات القادمة هي كالتالي: 1ـ السياسات المستقبلية للإدارة الأمريكية، 2ـ استمرار العقوبات الأمريكية على البلدين، 3ـ التطورات في دول الجوار ذات الأهمية الأساسية لمصالح إيران وروسيا.
3ـ تأكيد كرملين على حفظ الاتفاق النووي
يعتبر الاتفاق النووي، وانسحاب ترامب منه، ثم استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق في إدارة بايدن، من العوامل المؤثرة في العلاقات بين طهران وموسكو.
اكتسبت سياسة إيران الجديدة المتمثلة بـ”النظرة إلى الشرق” المزيد من المصداقية، بما في ذلك في مجال تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري ـ الأمني مع روسيا، بعد انسحاب الولايات المتحدة من “الاتفاق النووي” واتباعها استراتيجية “اقصى الضغوط”. وتعتقد روسيا، كلاعب مؤثر في الاتفاق النووي، أن على واشنطن الانضمام إلى هذا الاتفاق ورفع العقوبات عن طهران. يعتقد جهاز السياسة الخارجية الروسي أن انسحاب أمريكا من “الاتفاق” والقضاء على الحافز الرئيسي لإيران للامتثال الكامل لالتزاماتها النووية، لم يتسبب بعدم قبول طهران لمزيد من القيود فحسب، بل أدّى أيضاً إلى تحرير نفسها من القيود الحالية.
4ـ اصطفاف موسكو وطهران في مواجهة الأحادية الأمريكية
على المستوى الجيوسياسي، نحن في فترة انتقالية بدأت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ينتقل العالم فيها من الأحادية القطبية إلى الثنائية القطبية أو تعدد الأقطاب، والذي من المرجح أن يتجلى في هذا القرن. سيكون للنموذج الجديد من الثنائية القطبية الجيوسياسية قطبان كبيران يتنافسان مع بعضهما البعض. يتمثل القطب الضعيف بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والقطب القوي للصين وروسيا المدعومين من أوراسيا، الذي يتزايد نفوذه أكثر فأكثر. في غضون ذلك، تتماشى الشراكة الروسية ـ الإيرانية مع مصالحهما المشتركة وتتعارض بشدة مع الهيمنة الأمريكية. إنهما يعتقدان أن الأحادية التي انتهجتها إدارة ترامب قد اضرت بالنظام الدولي وشكلت تهديداً خطيراً لمصالحهما؛ ومن ثم، فإنهما يحاولان من أجل نظام عالمي أكثر توازناً وعالم متعدد الأقطاب.
وبالتالي، تلتزم كل من روسيا وإيران بإنشاء شبكات متجانسة ومنظمات متعددة الأطراف على المستوى الإقليمي لخلق قوة موازنة فعالة تجاه الأحادية القطبية للولايات المتحدة (مثل منظمة شنغهاي للتعاون، أو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أو اتفاقية إيران الأخيرة لمدة 25 عاماً مع الصين، و 20 عاماً مع روسيا).
المحصلة:
طالما ابتلي العالم بالمخاوف والتهديدات إزاء انعدام الأمن والفوضى؛ لكن أي دولة، حسب مصالحها الوطنية، يمكنها تحويل هذه التهديدات إلى فرص. بطبيعة الحال، فإن تعزيز التعاون بين روسيا وإيران مهم أيضاً ومبرر في ضوء المصالح الوطنية والإقليمية. بالنظر إلى المؤشرات في العلاقات بين البلدين، يمكن فهم الرؤية الاستراتيجية للجانبين في العلاقات.
لا شك أن موسكو ستواصل استخدام ورقة علاقاتها مع إيران في علاقاتها مع واشنطن. ولكي تكون قادرة على القيام بذلك، فإنها ستعزز تعاونها مع إيران في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب وفي المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية مثل التطوير النووي السلمي والتعاون العسكري. من ناحية أخرى، على الرغم من وجود اختلافات جيوسياسية وأيديولوجية وثقافية في العلاقة القائمة بينهما، لكن وتيرة الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط تقلل القيود والمخاطر والمشاكل المحتملة للاختلافات الجيوسياسية (الحركية التنافسية) لصالح تعزيز التعاون المربح للجانبين (حركية التعاون) وبهدف معالجة الهواجس الأمنية الإقليمية المتبادلة.
0 تعليق