إیران و العراق جارتان لدیهما العدید من الإهتمامات والمصالح المشترکة و في تحلیل العلاقات بین البلدین یمکن الإشارة إلی بعض المکونات المستقرة.

السیاسة

بعد الإطاحة بـالنظام البعثي والتحول السیاسي في العراق، کانت الجمهورية الإسلامية الإیرانية من أوائل الدول التي دعمت العملیة السیاسیة الجدیدة في العراق، وخلال الأعوام المتوترة فی العراق حاولت الجمهورية الإسلامية دعم النظام المنبثق من الظروف الجدیدة في هذا البلد، و في هذا الإتجاه، اصبحت الإرادة السیاسیة المهمة الحاكمة في توسیع العلاقات الإیرانیة العراقیة، و ما الزیارات المتبادلة لـلمسئولین رفیع المستوی في الحکومات المختلفة منذ عام 2003 حتی الآن، إلا تعبيراً عن هذه الإرادة. ومن هذا المنطلق، هناک علاقة سیاسیة دافئة موجودة بین طهران و بغداد من حیث مواقفهما الإقلیمیة والثنائیة والتي يعود جزء منها إلی تاریخ علاقات ایران الطیبة مع معظم الجماعات العراقیة من المجموعات الثلاث من الشیعة و الأکراد و السّنة وهو ماینعکس بشكل بارز و مستدام في المشهد السیاسي.

الإقتصاد و التجارة

وتمتلک إیران أطول حدود مع العراق ومتطلبات الجوار أدت إلی تحرک البلدین نحو التعاون والعلاقات التجاریة الهادفة بعد مضي فترة متوترة من الحرب و تغییر النظام السیاسي الذی أعقبها في العراق. خلال العقدین الماضیین، کانت إیران کانت شریکاً تجاریاً مهماً للعراق وإقلیم کردستان العراق. بالإضافة إلی ذلک، فإن الشرکات والمستثمرین ومختلف قطاعات الصناعة والطاقة فی إیران لدیها تعاون مکثف مع العراق. کما تهدف اللجان الإقتصادیة المشترکة إلی زیادة التجارة إلی 20 ملیار دولار. علاوة علی ذلک، فإن الأسواق الحدودیة بین البلدین نشطة في مناطق مختلفة وإیران هي واحدة من أهم مصدري الطاقة الكهربائیة للعراق. في الحقیقة، فی ضوء افق التطور الإقتصادی فی العراق وتعزیز بنیته التحتیة، یجب إعتبار إیران کـدولة یمکنها تسهیل هذه العملیة. وفي الوقت نفسه، تعتبر إیران طریقاً سریعاً مهماً يربط العراق بالعالم الخارجي وهي فعالة في تطوير طرق المواصلات والتجارة الثنائیة والإقلیمیة للعراق.

الأمن

وعندما ندرس التطورات في العراق خلال العقدین الماضیین، نری الدور البنّاء للجمهوریة الإسلامیة الإيرانية في إستقرار وأمن العراق بشکل فعال. و ربما التطور الأهم، هو مساعدة ایران الثابتة للعراق في مواجهة داعش الإرهابیة. ومن الواضح أن إیران لعبت دوراً مهماً و بارزاً في تحریر المناطق المحتلة في العراق و کذلک سوریا من سلطة داعش. کما أکدت السلطات العراقیة دائماً علی هذا الموضوع. و بـصرف النظر عن ملف داعش، یجب الإهتمام بأن الأمن بین ایران والعراق هو قضیة استراتیجیة و دائماً یکون حاسماً سواء في الماضي أو في المستقبل. لذلک، یبدو أن البلدین مهتمين بـترسیم علاقاتهما الإقلیمیة، وموقفهما الجیوسیاسي یدل علی أهمیة الإستراتیجیات الأمنیة بینهما. وبالطبع إذا ننظر إلی خلفیة العلاقات الإیرانیة العراقیة والحروب التی وقعت بین الجانبین خلال العقود الماضیة، فـنری أن العامل الأمني بین البلدین لایزال مهماً للغایة و سيؤثر في رسم آفاق المستقبل، سواء ایجابیاً أم سلبیاً.

وفي نفس الوقت، فإن هذا العامل الأمني یلعب دوراً في إستراتیجیة السیاسة الخارجیة والأمنیة للبلدین. إلی جانب هذه القضایا، فإن إیران تسعی دائماً لدعم استقرار و وحدة العراق ومساعدته. لأنه یمکن القول إن الأمن والإستقرار في العراق مرتبطان بالأمن و الإستقرار في إیران.

العلاقات الدینیة و الثقافیة

ومن سمات العلاقات الإیرانیة العراقیة التي تمیز العلاقات بین البلدین عن علاقات العراق مع جیرانه الآخرین هي الأواصر التاریخیة والدینیة والثقافیة بین طهران و بغداد. فإن لـلصلة الفکریة والروحیة التي تربط الإیرانیین بالأماكن المقدسة لدی الشیعة في مدن کربلاء والنجف وسامراء والمناطق العراقیة الأخری، جذور تاریخیة ودینیة تبرز الفرق بین هذه العلاقات. ومن بین الطقوس، مسیرة الأربعین الکبری، التي عمّقت العلاقات الإیدیولوجیة والدینیة والفکریة بین الشعبین الإیراني والعراقي . وکان تأثیر هذه العلاقات علی أبعاد العلاقات الإیرانیة العراقیة حتمیاً. إلی جانب هذه القضایا، فإن الرابط الثقافي بین الإیرانیین والأکراد في إقلیم کردستان العراق لاینفصل ویبدو أنه جزء من عالم الحضارة والثقافة الإیرانیة و تعتبر الطقوس الثقافیة والحضاریة المشترکة مثل النیروز جزء من العمق الإستراتیجي الثقافي لإیران مع الأکراد.

لذا، نظراً لهذه الأواصر المتعددة الأوجه و ضرورات الجوار بین ایران والعراق، یمکن وصف مستقبل العلاقات بین البلدین بأنه مستقر ومتسع. بالرغم من أن القوة الدافعة وراء إستخدام هذه المزایا النسبیة اعتمدت و ستعتمد علی الدبلوماسیة النشطة و الهادفة في العلاقات بین البلدین، والتي ینبغي متابعتها  بـجدیة أکبر في جدول أعمال الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة.