المجلس الإستراتيجي أونلاين - حوار: قال خبير في شؤون غرب آسيا إن زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق بعد 10 سنوات قد تكون مقدمة و بادرة على رغبة هذا البلد في الحضور الاقتصادي الواسع في سوريا، مضيفاً: "ترى الصين في سوريا وخاصة إعادة الإعمار فيها فرصة لتعزيز وجودها ونفوذها في الشرق الأوسط".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار مصطفى نجفي إلى زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق وتقديم مقترح مؤلف من أربع نقاط، قائلاً: “لم تقدم الصين دعماً أمنياً أو اقتصادياً خاصاً لسوريا، مع أنها وفرت دعماً سياسياً كبيراً منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 . وهذا الدعم السياسي كان في معظمه عبر استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن حول سوريا”.
ورأى أن الصين تريد اليوم جني ثمار دعمها السياسي لسوريا خلال 11 عاماً، موضحاً: “رغم الدعم الإيراني والروسي الشامل لسوريا، سيكون الحضور الصيني في المجال الاقتصادي بسوريا أقوى من إيران وروسيا لامتلاكها قدرات اقتصادية عالية”.
إعادة إعمار سوريا؛ فرصة للصين
وإذ أكد الخبير في شؤون سوريا أنه يجب قراءة زيارة وزير الخارجية الصيني لسوريا في إطار إستراتيجية أوسع وهي النفوذ الاقتصادي في الشرق الأوسط، أضاف: “حددت الصين هدفاً لنفسها في الشرق الأوسط يتمثل في إيجاد موطئ قدم لها والنفوذ الى كافة مناطق الشرق الأوسط في المجال الاقتصادي. من هذا المنطلق، تجد الصين في سوريا و خاصة إعادة الإعمار فيها فرصة لنفسها”.
وبالإشارة إلى ما ورد في مقترح الصين حول سوريا المؤلف من أربع نقاط، قال نجفي: “قد تم التأكيد في النقطة الثانية على الاهتمام برفاهية الشعب السوري وفيها تركيز لافت على القضايا الاقتصادية. في هذا الإطار أعلنت الصين عن استعدادها للاستثمار في سوريا لإقامة مناطق تجارية صينية حرة”.
الصين واثقة من الاستقرار السياسي والأمني في سوريا
وقال نجفي إن “الحفاظ على وحدة الأراضي” و”محاربة الإرهاب” و”إيجاد تسوية سياسية للأزمة” هي النقاط الثلاث الأخرى في المقترح الصيني، مضيفاً: “من ناحية التوقيت، زيارة وزير الخاريجة الصيني لسوريا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإعادة انتخاب بشار الأسد تعني التأكيد على الشرعية السياسية والدولية لبشار الأسد. كما يبدو أن الصينيين واثقون من الاستقرار في سوريا”.
وأوضح: “كانت الحكومة السورية قد طلبت عدة مرات المساعدة من الصين لإعادة إعمار سوريا، دون أن تبدي الصين رغبة كبيرة في ذلك. أما في الظروف الراهنة، فيبدو أن الصينيين قد تأكدوا من أن سوريا تنعم بالاستقرار الأمني وإلى حد ما بالاستقرار السياسي ويريدون توظيف ذلك الاستقرار لتعزيز نفوذهم الاقتصادي”.
ورأى الخبير في شؤون سوريا أنه يجب تقييم الحضور الاقتصادي الصيني في سوريا من منظور مشروع “حزام واحد، طريق واحد”، قائلاً: “سوريا أحد الممرات التي تربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا. وتسعى الصين إلى تفعيل هذا المشروع منذ وقت بعيد وتوفرت الآن أمامها فرصة للقيام بخطوة إضافية في هذا الصدد. وبالتزامن مع إجراء الصين محادثات مع الحكومة السورية – التي ترحب بالدور الصيني نظراً لحاجتها إلى إعادة الإعمار – تجري محادثات بين الصين وكل من ايران وباكستان والعراق لربط حلقات الممر الذي من المقرر أن يصل للبحر الأبيض المتوسط”.
تراجع التواجد الأمريكي في المنطقة؛ فرصة ثمينة للصين
وأشار نجفي إلى قرارات أمريكا بشأن تواجدها في الشرق الأوسط وتغيير كيفية ذلك، قائلاً: “جهود الصين لزيادة نفوذها في المنطقة لها علاقة وثيقة بهذه السياسية الأمريكية. في ظل تراجع الوجود الأمريكي، من المؤكد أن الصين مستعدة لملء مكان واشنطن في كل المستويات. فالصين أكبر سوق للنفط العراقي حيث تستورد 800 ألف برميل منه يومياً ما يعادل 44% من صادرات نفط العراق. ويعتمد العراق على الصين بشكل كبير في تصدير الطاقة وحال انسحاب أمريكا من العراق فالصين مستعدة لملء الفراغ في ذلك البلد في أقرب وقت”.
وأضاف: “لا شك في أن تقليص أمريكا عدد جنودها في الشرق الأوسط فرصة ثمينة جداً للصين لزيادة نفوذها في المنطقة. والأمريكيون على دراية بهذه الحقيقة لكن إستراتيجيتهم هي احتواء الصين في الشرق”.
الدور والنفوذ الصيني الفعال في مستقبل الشرق الأوسط
وتطرق الخبير في شؤون غرب آسيا إلى حضور الصين في مشاريع التنمية وإعادة الإعمار في الأراضي المحتلة، موضحاً: “الصينيون يقومون بتنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتطوير ميناء حيفا. و قد حذر ترامب نتانياهو من ذلك عدة مرات لكن الإسرائيلين لم يرضخوا لترامب. و يبدو أن هؤلاء قد أدركوا أن حضور ونفوذ الصين في مستقبل الشرق الاوسط حتمي”.
وأضاف نجفي: لا توجد دولة في الشرق الأوسط لا ترحب بالحضور والنفوذ الصيني في المنطقة، بل الجميع يرغبون بالتعاون مع الصين في الشرق الأوسط الجديد”.
وفي ما يتعلق بتداعيات تعزيز الصين دورها في سوريا خاصة في مجال محاربة الإرهاب، قال: “ترغب الصين ومن أجل ضمان أمن استثماراتها، إيجاد تسوية للإرهاب في سوريا قبل كل شيء. اليوم لم يعد لداعش نفوذ ووجود في سوريا سوى في مناطق في الشرق وبشكل محدود في وسط سوريا. لكن ملف إدلب لا يزال عالق حيث يوجد فيها إرهابيون مدعومون من دول عربية وتركيا. وإذا تم تسوية ملف إدلب ستتبدد المخاوف الأمنية الصينية في سوريا. فترى الصين في ذلك فرصة لنفسها”.
وأكد نجفي: “زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق بعد 10 سنوات قد تكون مقدمة وبادرة على رغبة هذا البلد في الحضور الاقتصادي الواسع في سوريا ومع أن دخول الصين في سوريا اقتصادياً يُفقد إيران بعض فرصها لكنه يوفر فرصاً أخرى من ضمنها مشروع “الحزام والطريق” الذي يمر من إيران ومن شأنه أن يساعد إيران كثيراً من الناحية اللوجستية والنقل”.
واختتم الخبير في شؤون سوريا قائلاً: “بالمناسبة، قد بذل الإسرائيليون جهوداً كبيرة للحيلولة دون تحقق المسار الذي تريده الصين، حيث كانوا يريدون ربط ميناء حيفا بالخليج الفارسي والدول العربية ليعبر الطريق الواصل بين الصين وبين البحر الأبيض المتوسط وأوروبا من هذا الميناء. لكن يبدو أن الصينيين يرغبون في مد هذا الطريق عبر إيران حيث يوفر هذا الطريق لهم الكثير من الميزات الإستراتيجية”.
0 تعليق