المجلس الإستراتيجي أونلاين - حوار: أشار مدير معهد العلاقات الدولية إلى الأنباء التي تتحدث عن جهود أمريكا لمواصلة وجودها في العراق من خلال تحويل صفة هذا الوجود إلى الاستشاري، حسب ما تدّعيه، قائلاً: "بالنظر إلى أن هذا الوجود يأتي تلبية لطلب الحكومة العراقية، سترى القوات الأمريكية لنفسها قدراً أكبر من الشرعية وستكون في موقع أقوى للحصول على الامتيازات وفرض شروطها المطلوبة".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، رأى سيد عبد المجيد زواري أنه يمكن تقييم إعلان المسؤولين الأمريكيين قرار الانسحاب من العراق من عدة جوانب، موضحاً: “من جهة، يمكن اعتبار هذا القرار خطوة في إطار تغيير الأولويات الإستراتيجية الأمريكية نتيجة التضاءل التدريجي لأهمية الشرق الأوسط لدى المسؤولين في واشنطن وضرورة مزيد من التركيز على الشرق لاحتواء الصين. و من جهة أخرى، يدعى الأمريكيون أن مهمتهم في الشرق الأوسط قد انتهت بعد انهيار تنظيم داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية في المنطقة”.
أكد زواري أنه بغض النظر عن الأسباب التي أعلنها مسؤولو البنتاغون بشكل رسمي أو غير رسمي، توجد هناك أسباب أكثر أهمية لهذا القرار، مضيفاً: “لا شك في أن تحقيق أمريكا اكتفاء ذاتياً في إنتاج النفط قلص اعتمادها على الموارد النفطية في غرب آسيا. وفي ظل تزايد تهديدات الصين، أصبح احتواؤها في صدارة الأولويات الإستراتيجية لمسؤولي البيت الأبيض”.
وقال محلل شؤون غرب آسيا حول قرار أمريكا الإبقاء على وجوده الاستشاري في العراق إن “مع ذلك فإن موقع الشرق الأوسط الجيوسياسي على قدر من الأهمية بحيث لايمكن للأمريكيين تجاهل تطورات هذه المنطقة الإستراتيجية. بعبارة أخرى، إنه من السذاجة تصور أن دولة أنفقت – باعتراف مسؤوليها – آلاف المليارات من الدولارات في هذه المنطقة ستتخلى وفجأة عن مصالحها فيها وستغادرها”.
تكلفة الحضور الأمريكي في العراق أكثر من فائدته
وأكد زواري على أنه يجب تقييم قرار أمريكا سحب قواتها من المنطقة من منظور عدم تحقيق ميزان إيجابي بين تكاليف هذا الوجود وفوائده، قائلاً: “هذا الموضوع خاصةً بعد اغتيال أمريكا الفريق سليماني وتزايد هجمات فصائل المقاومة ضد المواقع والقوات الأمريكية في المنطقة، أوصل الإستراتيجيين الأمريكيين إلى قناعة بأن تفادي مزيد من الخسائر يحتم عليهم الانسحاب من بعض الدول كالعراق وأفغانستان أو تغيير صفة وجودهم فيها”.
وأردف قائلاً: “رغم ذلك، هذا القرار لا يعني الانسحاب الأمريكي الكامل من المنطقة بل وكما اتضح من التصريحات الضمنية للمسؤولين والخبراء الأمريكيين، سيبقى عدد من القوات الأمريكية في المنطقة تحت غطاء التعاون الاستخباراتي – الأمني”.
وقال مدير معهد العلاقات الدولية، إنه بالنظر لسجل أمريكا في المناطق المختلفة ومن ضمنها أفغانستان، من المتوقع أن نرى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق أو تغيير شكل تواجدها العسكري فيه، صعوداً جديداً للإرهاب في العراق وسوريا لكي تَحول تلك الجماعات دون إرساء الاستقرار الكامل في المنطقة وتعزيز نفوذ إيران وفصائل المقاومة فيها”.
أربعة سيناريوهات أمام العراق والمنطقة
ورأى زواري أنه مع أخذ أهمية المنطقة وظروفها بعين الاعتبار، يمكن تصور أربعة سيناريوهات للمنطقة والعراق بعد القرار الأمريكي، مضيفاً: “قد نشهد استمرار الوضع الراهن. في هذا السيناريو يتم تأجيل تنفيذ ما أعلنه مسؤولو البلدين بشأن انسحاب القوات الأمريكية حتى أجل غير محدد تفادياً للفراغ الأمني وكذلك تحت ضغط لوبيات حلفاء أمريكا في المنطقة. وعليه، سيستمر الوضع الحالي فعلاً، رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جمة للقوات الأمريكية”.
وقال: “رداً على ذلك ستستمر هجمات الجماعات التابعة لتيار المقاومة ضد مواقع القوات الأمريكية، وفي المقابل ستعمل أمريكا على احتواء تلك الفصائل وتقليص خسائرها في العراق ودول المنطقة من خلال ضربات تنفذها بين الحين والآخر ضدها وممارسة الضغوط على المسؤولين العراقيين لدمج الفصائل العسكرية الموالية لمحور المقاومة في الجيش العراقي”.
ورأى خبير شؤون غرب آسيا أنه يبدو وبناء على التصريحات المتداولة بأن تحويل صفة وجود القوات الأمريكية في العراق للاستشاري هو سيناريو محتمل آخر لمستقبل البلاد، مضيفاً: “في هذا السيناريو ستنسحب القوات الأمريكية من العراق على عدة مراحل وتسلم قواعدها العسكرية للجيش العراقي. لكن رغم ذلك ستبقى في العراق أو تنقل إليها قوات أمريكية بطلب من العراق لتدريب قواته العسكرية وكذلك للتعاون الاستخباراتي معه”.
وأردف زواري قائلاً: “في هذا السيناريو سيكون لدى الرأي العام ومختلف الأطراف قدراً أقل من الحساسية تجاه وجود القوات الأمريكية كون نشاطها غير محسوس. وبالنظر إلى أن هذا الوجود يأتي تلبية لطلب الحكومة العراقية، سيكون مسؤولو البيت الأبيض في موقع أقوى للحصول على امتيازات أكثر وفرض شروطها المطلوبة. فضلاً عن ذلك، ستعمل امريكا من خلال ذلك على تعزيز روابطها مع المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية في العراق ما يمكنها على المدى المتوسط على زيادة نفوذها في المجتمع العراقي وفرض التعديلات التي تريدها على الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية العراقية”.
واعتبر زواري الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق تفادياً لمزيد من الخسائر سيناريو آخر أمام العراق وأكد على ضرورة أخذ الفراغ الأمني الناجم عن ذلك بعين الاعتبار، موضحاً: “فضلاً عن ذلك، يجب الانتباه إلى احتمال إسناد أمريكا المهمة إلى حلفائها في المنطقة كالسعودية وتركيا. حيث يمكن أن تعمد أمريكا ورغم انسحابها من العراق، إلى إسناد دور فعال لأحد حلفائها الإقليميين في العراق ومحيطه للحؤول دون نفوذ الخصوم – كإيران – وإخلاء الساحة لهم في المنطقة”.
وأضاف الخبير في شؤون العراق: “في الحقيقة، هكذا سيكون بإمكان أمريكا تقليص تكاليفها في المنطقة والحفاظ على مكاسبها ومصالحها فيها حتى تتهيأ الأرضية لعودتها مرة أخرى لاحقاً من خلال الاعتماد على مزاعم أمريكية جديدة قد تكون أقوى”.
وبالإشارة إلى الاخبار التي تتحدث عن بقاء الجنود الأمريكيين في العراق لتوفير الإسناد الاستخباراتي، قال: “بالنظر إلى أن هذا الوجود يأتي تلبية لطلب الحكومة العراقية، سترى القوات الأمريكية لنفسها قدراً أكبر من الشرعية وستكون في موقع أقوى للحصول على الإمتيازات وفرض شروطها المطلوبة”.
ولمح زواري إلى تداعيات وجود أمريكا الاستشاري وأنشطتها الاستخباراتية في العراق، قائلاً: “هذا الوجود يمنح أمريكا فرصة لتحقيق تعارف وتواصل أعمق مع شرائح المجتمع العراقي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً على المدى المتوسط، ما يمكنها بمضي الوقت من تهيئة الأجواء لإحداث التغييرات التي ترغب فيها وتعزيز الجماعات المقربة اليها وتهميش فصائل المقاومة في مختلف شؤون المجتمع العراقي”.
0 تعليق