المجلس الإستراتيجي أونلاين - مذكرة: أشار السفير الإيراني السابق لدى الصين إلى خوض الولايات المتحدة منافسة ممنهجة طويلة الأمد مع الصين، وتشكيل جغرافيا سياسية جديدة في الوقت الراهن وقال إن الصين تتمتع بالقدرة على إحباط الولايات المتحدة في بناء الائتلاف، وتُظهر الخلافات داخل قمة مجموعة السبع في إنجلترا أن التجارة مع الصين يمكن أن تكون أكثر أهمية من العلاقات مع الولايات المتحدة نفسها، وهذا من وجهة نظر ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وحتى إنجلترا.
حسین ملائک – سفير إيران السابق في بكين ومحلل الشؤون الدولية
تعتبر متابعة تطورات الصين وخاصة علاقاتها الخارجية، مهمة جداً لدول مثل إيران. ويجب دائماً دراسة الدور العالمي المتزاید وتأثيره الذي لا يمكن إنكاره في كل جزء من الحياة العالمية في مراكز الفكر في بلادنا. كما يجب دوماً تقييم الفرص والتحدیات لهذه التطورات بما يخدم المصلحة الوطنية.
أجبرت الأزمة المالية العالمية لعام 2008، الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية على إصلاح الهيكل الاقتصادي الباهظ و منعتهم من النمو المتوقع. و في الوقت نفسه، استطاعت الصين أن تواصل نموها الاقتصادي دون أن تتأثر بالأزمة بشکل ملموس لتجد نفسها تدريجياً دون منافس في المنافسة العالمية، وأن تكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ عام 2016.
منذ أوائل عام 2000 وبسبب هذا المسار، بدأت مراكز الفكر الأمريكية بدراسة تهديدات الصين المحتملة لأمن الولايات المتحدة. ومنذ عام 2010 فصاعداً، اصبحت جميع أوراق السياسة الغربية وخاصة الأمريكية، تصوّر الصين على أنها المنافس الرئيسي لأمريكا وأهم تهديد للنظام الدولي، حتى أنهم توقعوا سیناریوهات حول صراعات عسكرية مع هذه الدولة. ففي ظل إدارة أوباما، كانت قضية “المحور نحو آسيا” على جدول الأعمال من أجل السيطرة على الصين والحد منها، ثم أصبحت سياسة رسمية لأمريكا.
و من مؤشرات هذه السیاسة هي؛ زيادة النزعة العسكرية على حدود الصين وجيرانها و بحر الصين الجنوبي بغية عرقلة هذه العلاقات سياسياً؛ والتأثير الأمني على هونغ كونغ وعرقلة السياسات الاقتصادية في هذه المنطقة؛ ودعم الأنشطة الانفصالية لشعب “الأويغور” في الأجزاء الغربية من الصين؛ وكذلك تشديد العداء بين الهند والصين من خلال تطورات منطقة التبت وغيرها من المؤشرات.
تايوان كأهم عامل في وضع المحيط الهادئ والبحر الصين الجنوبي
في هذه الأجواء، فإن موقع تايوان للضغط العسكري على الصين له أهمية خاصة ومركزية للولايات المتحدة. وبحسب الموقف الرسمي الصيني، فإن تايوان هي العامل الأهم في الاستقرار أو الاضطراب في المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي. لذلك و للضغط على الصين، غالباً ما يضع الأمريكيون قضية تايوان في المقدمة، لكن لا يبدو أن قضية تايوان تمثل أولويةً لحل عملي لتسویة المشاكل.
في فترة ولاية ترامب، استمرت هذه السياسات مع بداية نوع من “الحرب التجارية” إلى جانب السلوك غير العقلاني لرئيس الولايات المتحدة. واندلعت “حرب تجارية” بين البلدين، بهدف إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الأزمة التي زعم الاستراتيجيون الأمريكيون إن “الصين” تسببت بها وكان الغرض الرئيسي منها هو تقليل النمو الاقتصادي في الصين من خلال إيجاد اضطرابات في سلسلة قيمة الإنتاج ونقلها بعيداً عن الصين.
سياسة إدارة بايدن تجاه الصين
عُقد الاجتماع الرسمي الأول بين مسؤولي السياسة الخارجية الصينية والإدارة الأمريكية الجديدة يومي 18 و19 مارس 2021 في أنكوريج في ولاية ألاسكا. وأظهرت نتائج هذا الاجتماع أن سياسة حكومة بايدن هي نفس سياسة الحكومة السابقة، أي تقييد الصين المؤكد وتقليص نموها الاقتصادي، ولكن هذه المرة من خلال كسب الدعم الدولي.
بالنسبة للولايات المتحدة، كما قال الرئيس جو بايدن مراراً وتكراراً، “إن الصين تكون في الوقت نفسه شريكة ومنافسة شرسة وعدوة خطيرة، لذلك هناك الكثير من التعقيدات في إقامة علاقة مع تلك الدولة”.
تحديات الصين الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة
في التقييم الاستراتيجي بين البلدين، يمكن لفت الانتباه إلى النقاط التالية:
- فشلت الولايات المتحدة في تحقيق توازن منتظم مع الصين في هذا المجال، رغم العديد من الإجراءات التي اتخذتها في المحيطين الهندي والهادئ.
- إن قوة المنافسة التكنولوجية والإبداع في الولايات المتحدة آخذة في التضاءل مقارنة بالماضي.
- الصين هي أكبر دولة ذات توجه تجاري في العالم وسکانها اقتصاديون للغایة. معظم الاقتصاد الصيني مفتوح وتنافسي، ويمتلك فرص لجميع شركات العالم. بطبيعة الحال، تقوم الحكومة الصينية بإدارة الدعم المالي الحكومي في هذا الاقتصاد بدقة.
- لن يكون من الممكن للولايات المتحدة أن تقلل من قدرة الصين على التحدي دون تشكيل تحالف مع الدول ذات التوجه المماثل لها.
- الصين لديها القوة للسيطرة على جيرانها.
- تمتلك الصين الطاقة اللازمة للتأثير في آسيا الوسطى بكل قوة تقريباً.
- تمتلك الصين القوة لإحباط الولايات المتحدة في بناء الائتلاف وخير دليل على ذلك، الخلاف الذي حدث في قمة مجموعة السبع الأخيرة في المملكة المتحدة قبل 10 أيام. فمن وجهة نظر ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وحتى بريطانيا، فإن التجارة مع الصين يمكن أن تكون أكثر أهمية من علاقتهم مع الولايات المتحدة نفسها.
من خلال هذا التقدير، يمكن فهم سبب أهمية المشروع الصيني المسمى”حزام واحد، طريق واحد” BRI))، ولماذا تسعى الولايات المتحدة على وجه التحديد لعرقلته والإضرار به؛ ذلك لأن الصين تبحث عن دول “تعتمد” تكنولوجياً واقتصادياً على الصين ولا تكون عقبة أمام صعود الصين بينما الولايات المتحدة تبحث عن دول ذات أهداف معاكسة تماماً.
الولايات المتحدة في منافسة ممنهجة طويلة الأمد مع الصين
يمكن القول إجمالاً بأن الولايات المتحدة تخوض منافسة ممنهجة طويلة الأمد مع الصين. فالقوة العسكرية والأسلحة مهمة، لكنها ليست في النقطة المركزية لمثل هذه المنافسات كما كان سابقاً. القضية الرئيسية في هذه المنافسات هي البحث عن النظام الأقدر والأقوى إستجابةً لمشاكل شعبه أو العالم. عندها نفهم سبب إثارة موضوع التصدي لتهديد كوفيد -19 في الساحة السياسية إلى هذا المستوى.
تمكنت الصين في هذا المضمار، من إظهار إدارة استثنائية، سواء من حيث السيطرة على الوباء أو إنتاج اللقاحات. والغرب، على الرغم من مزاعم أنظمته، لم يتمكن من السيطرة على الأزمة وإدارتها، كما أنه لم يكن قادراً على إظهار كفاءة لائقة في إنتاج اللقاح. وتستند جهود الغرب والولايات المتحدة لتدمير هذا الإنجاز على اتهام الصين بإنتاج فيروس كوفيد -19 نفسه، وهو الأمر الذي لم ينته بعد ولن تتخلى الولايات المتحدة عن متابعة هذه القضية.
آفاق العلاقة الصينية – الأمريكية
استناداً على ذلك، فإن حركية السياسة الحديثة (المنافسة بين القوى العظمى) تتشكل من خلال التنافس الوثيق والعدائي بين الولايات المتحدة والصين لعقود قادمة، والتي تتضمن كيفية استخدام الإنترنت، وتسويق الأفكار الجديدة في “الحوكمة الرشيدة” مع نكهة التجارة والقوة العسكرية. مسرح هذه المنافسات حالياً في الصناعات و سلسلة قيمة الإنتاج العالمي والمنظمات الدولية. كما أن الأدوات المستخدمة في هذا التنافس هي الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية المحلية وإجبار الخصم على الانغماس في الفساد الاستراتيجي وعدم الكفاءة. نرى في الوقت الراهن تشيكل جغرافيا سياسية جديدة، و إمكانية نشوب الحرب ليست مستبعدة، حسب نظر كيسنجر على الأقل.
القضية المهمة والأخيرة هي كيفية اتخاذ بقية الدول لمواقفها. هل سيصبحون أعضاء في مجموعة مؤيدة لدولة ما أم يفضلون الاستفادة من هذه المنافسة؟ ظهور هذه المواقف واضحة حتى الآن في استخدام منصة تقنية الجيل الخامس. يؤثر اختيار هذه المنصة في كل دولة أيضاً على المواقف السياسية النهائية لتلك الدولة. بالإضافة إلى ذلك، سوف يكون من المهم كيفية تشكيل المواقف المؤيدة والمضادة تجاه كل من هاتين القوتين في المنظمات الدولية. هنا، موقف دول مثل إيران والخيارات التي ستتخذها لها أهمية “إستراتيجية” للدول نفسها.
0 تعليق