المجلس الإستراتيجي أون لاين - رأي: إن البيان الختامي لقمة منظمة أو حلف الشمال الأطلسي (الناتو) أظهر مرة أخرى أنه في عصرنا الراهن لم تزل المثل العليا لميثاق الأمم المتحدة و بعد 76 عاماً من إرسائها تتعرض لأقسى الضغوط.
الدكتور على كربلائي حسيني - باحث في القانون الدولي
أوضح قادة الناتو في قمتهم الاخيرة أهداف منظمتهم في بيان تفصيلي معتبرين المساعي الصينية المتزايدة نحو توسيع ترسانتها النووية وتطور القدرات الفضائية والحروب السيبرانية تهديدات لأسس النظام الدولي القائم، كما وصفوا الصين بأنها “تحد منهجي”.
إن تبني الحلف العسكري لمثل هذا التوجه يعكس أن الحرب بين القوى العظمى لا تزال مستعرة على مستويات و صعد مختلفة ولم يأن لها بعد أن تضع أوزارها.
وفي المقابل، لم تلتزم الصين الصمت تجاه هذا التوجه واتهمت الناتو بالمبالغة في نظرية التهديد الصيني و”ممارسة النفاق”.
ورغم العلاقات التجارية الواسعة التي بنتها كل من دول الناتو مع الصين، إلا أن قادتها يشعرون بالخطر من حدوث خلل في توازن علاقات القوى. وبالنظر إلى تغيير الإدارة في الولايات المتحدة وعودة واشنطن للالتزام بالعمل الدولي، يسعى قادة الناتو إلى تعزيز التضامن بين أعضاء الحلف وزيادة قدراته الذاتية على خوض غمار المنافسات الدولية.
ترى بكين أن اتهامات الناتو ضدها هي “تشويه للتطور السلمي الذي أحرزته البلاد وإساءة تقدير للوضع الدولي الحالي و دور الناتو ذاته و تمثل استمراراً لعقلية الحرب الباردة”.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في شهر مارس أن الميزانية العسكرية الصينية هي ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة ومع أنها لا تزال أقل من ثلث الميزانية العسكرية الأمريكية لكنها شهدت ارتفاعاً بسنبة 6.8 بالمئة في عام 2021. وفضلاً عن ذلك، فإن بكين استثمرت مليارات الدولارات في برنامجها الفضائي لمنافسة التفوق الروسي والأمريكي فيه. هذه الصور تعكس رواية تفتعلها الجبهة المنافسة للصين ترمي من خلالها إلى إظهار الأخيرة كتهديد عالمي و ليس قوة عالمية.
اليوم وفي ظل إلحاح قادة الناتو على الترويج لما يسميه مسؤولون صينيون بـ “نظرية التهديد الصيني” من خلال توظيف كل الإمكانيات والأساليب المتاحة لتقليص قوة الصين الدولية، يبرز سؤال وهو: إلى أين سينتهي المطاف بهذا التنافس العدائي؟
أن تبقى المبادئ التقليدية لعلاقات القوى العظمى – أي القوة مقابل القوة – متحكمة بالعلاقات بين الصين والمعسكر الغربي، رغم تشابك العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية بين الطرفين، فإنها ترسم مستقبلاً مكتنفاً بالغموض وخطيراً للسلام والأمن الدوليين، وضعية اظهرت فيه الأمم المتحدة بهيكليتها الحالية عجزها في إيجاد تسوية سلمية له.
لا شك في أن المعسكر الغربي ومن خلال تنسيق هيكلي ومعياري، يحاول ترتيب ساحة العلاقات الدولية بحيث يضمن لنفسه تحقيق القدر الأكبر من المصالح خلال العقود المقبلة مرغماً القوى الأخرى على الخضوع لقوانين يضعها هو. بينما الصين بحاجة إلى استقطاب تعاون الدول ذات توجه مماثل معها لكي تتمكن من فرض النظام المعياري الذي يناسبها على العلاقات الدولية المستقبلية.
بينما الصين تتمتع اليوم بحق النقض في مجلس الأمن ولا تقلق كثيراً على تعرضها لعقوبات أممية لكن مواقف الدول والمنظمات والتحالفات الغربية وفرضها عقوبات أحادية أو متعدة الأطراف ضد الصين تمثل ناقوس خطر على مستقبل العلاقات والنظام الدوليين.
ما يحدث الآن من تنافس عسكري بين القوى العظمى على صعد مختلفة كالمجال السيبراني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحرية و … معناه هو استمرارية تلك التحديات في مستقبل قابل للتكهن؛ وهي تحديات لا تؤثر على الأطراف المتخاصمة فحسب وإنما على النظام الدولي بأكمله وتشكل تهديداً على السلام والأمن الدوليين على المدى البعيد.
التوجه الذي سوف تتبناها دول غرب آسيا تجاه هذا الواقع وكيفية أداءها دوراً في عالم سوف يدار بشكل متعدد الأقطاب، يعتبر قضية تتطلب تحليلاً معمقاً. وفي حال تجاهل هذه الحقيقة، فسنشهد تكرار تجربة تاريخية مثل إنشاء مجلس الأمن ومنح حق النقض لقوى عظمى تمكنها من فرض هياكل ومعايير ترمي إلى حفظ وترسيخ مصالحها.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصفتها قوة مستقلة أصبحت في موقع تاريخي يؤهلها لاستقطاب أنظار العديد من الدول من بينها دول المنطقة ودول عدم الانحياز إلى واقع الوضع الراهن وكذلك ترسيم الوضع المطلوب. استقطاب الدول لإنشاء النظام المعياري المطلوب والعادل في العصر الراهن مهمة صعبة ولكن ممكنة. والتشاور مع الدول ذات المصالح المشتركة أو تطبيق مبادرات كتأسيس نادي الدول المناهضة للعقوبات يعتبر آليات لتحقيق هذه الغاية الإسترتيجية.
اليوم وبعد 76 عاماً لايبدو أن القوى العظمى تنوي تنفيذ ما وقّعت عليه والتزمت به من مفاد ميثاق الأمم المتحدة؛ وعليه، فيتعين على الدول التي تخلفت عن هذا الركب وشهدت تهميشاً في النظام الدولي القائم على القوة، أن تحدث تغييراً في الوضع الراهن لصالح نظام يقوم على العدالة والإنصاف ويضع حداً لمآسي النظام الدولي الراهن كالتي شهدها العالم في حرب اليمن و تصعيد الإرهاب في أفغانستان و قصف غزة و … .
0 تعليق