المجلس الإستراتيجي أونلاين - رأي: ظهرت في الأسابيع الأخيرة بوادر واضحة على التحول التدريجي لتوجه السياسة الخارجية السعودية تجاه سوريا. وتنتشر أنباء متعددة تشير إلى أن بن سلمان يسعى نحو "فتح قنوات دبلوماسية" مع سوريا. في هذا السياق، شهدت دمشق في الأسابيع الماضية عقد لقاءات سرية بين مسؤولين سوريين وسعوديين، ما يعتبر حدثاً غير مسبوق منذ العام 2011.
برسام محمدي - محلل الشؤون الدولية
بوادر تقارب السعودية مع سوريا
منذ سنوات والسعودية على تواصل مع سوريا سياسياً وأمنياً من وراء الكواليس، لكن يجب اعتبار زيارة الفريق “خالد الحميدان”، رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الذي يعد من الشخصيات المقربة من محمد بن سلمان، إلى دمشق في أبريل الماضي أول بادرة خلال السنوات العشر الماضية تدل على تحول في توجه الرياض تجاه سوريا. ورد في التقارير أنه خلال هذه الزيارة غير المعلنة التقى الحميدان بكبار المسؤولين في سوريا من ضمنهم بشار الأسد وعلي مملوك نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية وفيصل المقداد وزير الخارجية وأجرى معهم محادثات تركزت حول “ثلاثة محاور مهمة” هي استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق وعودة سوريا للجامعة العربية .
وقد تحدثت قناة الجزيرة في الأيام الأخيرة عن “تطبيع وشيك” للعلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا. وفي حوار مع قناة الجزيرة، قالت شخصية عسكرية رفيعة في المعارضة السورية تعد من المقربين لوزارة الخارجية السعودية: “تغيرت العقلية السياسية لدى آل سعود ويتوجه اليوم الكثير من كبار المسؤولين في العائلة الحاكمة ومنهم محمد بن سلمان نحو بناء علاقة مع بشار الأسد”. ووصفت هذه الشخصية السورية التي تصالحت مع النظام الرؤية الجديدة لدى كبار المسؤولين السعوديين بأنهم توصلوا الى قناعة “بأن عهد التغيير قد بدأ وأن الربيع العربي قد إنتهى تاريخياً وأن المنطقة تتجه بخصائص جيوسياسية جديدة نحو مستقبل جديد”.
الأسباب والضروريات
هناك أسباب وحوافز سياسية وميدانية مختلفة دفعت السعودية إلى التواصل مع سوريا يمكن الإشارة إلى أهمها كما يلي:
أولاً: أدت خسارة ترامب ووصول بايدن للرئاسة إلى الكثير من التحولات في سلوك وسياسات الرياض الإقليمية في الشهور الأخيرة، بدءاً من مواقف البلاط السعودي تجاه اليمن وصولاً إلى فتح باب التعامل مع إيران وتركيا وغير ذلك. والتواصل مع سوريا يأتي في نفس الإطار. حيث أن بايدن وخلافاً لترامب، لا يتمتع بنظرة إيجابية تجاه السياسات السعودية وتم إبلاغ ذلك للسعودية. كما أن تنحية نتنياهو الذي كانت تربطه علاقات طيبة مع بن سلمان ستؤدي إلى مزيد من التوازن في سياسات العربية السعودية خلال الشهور القادمة.
ثانياً: التطورات الميدانية والسياسية في البلدان والمناطق التي كانت السعودية متواجدة في ساحتها أو مرتبطة بها (خاصة في سوريا واليمن ولبنان وقطر) أدت إلى هزيمة سياسات السعودية ما وضعها في “مأزق جيوسياسي”. ففي عام 2011 تدخلت الرياض في الأزمة السورية بغية تعزيز نفوذها الإستراتيجي في المنطقة. وفي ذلك السياق، كان ينبغي الإطاحة بالنظام السياسي في سوريا وقطع قنوات تواصل جبهة المقاومة فيها. ولتحقيق هذه الغاية، قدمت الرياض مساعدات مالية للجماعات الإرهابية بقيمة 80 مليار دولار دون أن تحصل علی نتيجة سوى الهزيمة. وفضلاً عن ذلك، فإن الفوز الساحق الذي حققه بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قضت على آخر آمال بن سلمان. ويجدر بالذكر أن السعودية بذلت خلال الشهور الماضية مساع كبيرة بتوظيف إمكانيات إعلامية وحرب دعائية وقنوات سياسية لإلحاق الهزيمة ببشار الأسد في الانتخابات. في سوريا، قد تم تثبيت الأوضاع بالكامل تقريباً ولم تعد هناك أي فرص سياسية وأمنية وميدانية للرياض لإحداث تغيير في هذا البلد. من هذا المنظور، فإن مد يد الصداقة إلى الأسد هو نتاج الإخفاقات المختلفة التي مني بها بن سلمان بسلوكه الهجومي والمتطرف في مواجهة خصومه الإقليميين.
ثالثاً: المشاركة في إعادة “إعمار سوريا” هي قضية أخرى توضح سبب تبني السعودية توجهاً تصالحياً تجاه سوريا. خاصة أن عدداً كبيراً من الدول وحتى دول عربية أعلنت عن استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار سوريا وإحياء اقتصادها وإعادة تأهيل البني التحتية فيها. إذن السعودية التي ترى نفسها كبيرة العالم العربي لا تريد التخلف عن الآخرين في هذا الركب. فلا خيار أمام السعودية سوى الالتحاق بالتوجه الإيجابي الذي بدأت الدول العربية تتبناها تجاه سوريا. الإمارت التي تعد أكبر حليفة للسعودية في المنطقة وكانت في حقبة ما من القوى الرئيسة التي استهدفت بشار الأسد، أعادت فتح سفارتها في سوريا منذ شهور وبدأت تستعيد التعاون السياسي والاقتصادي و … مع حكومة دمشق. فإذا لم ترد السعودية أم لم تنجح في مواكبة الموجة التي تنطلق تدريجياً نحو عودة سوريا للعالم العربي فستشهد مزيداً من العزلة.
رابعاً: تتبنى السعودية موقفاً عدائياً من الإخوان المسلمين وترى فيها منافسة أيديولوجية حقيقة لنفسها في المنطقة والعالم الإسلامي. لذلك تعتبر السعودية مواجهة الإخوان المسلمين حتى في الدول المنافسة أو المتخاصمة معها، من أجندات سياستها الخارجية. وتعرف الرياض أن المتطرفين الإخوانيين يمثلون أقوى وأهم تيار مناهض لدمشق من بين جماعات المعارضة المسلحة في سوريا وهم يسيطرون اليوم وبدعم تركيا على مساحات شاسعة من محافظة إدلب. لذلك فإن مواجهة حضور ونفوذ الإخوان في سوريا تعد من الأسباب التي تبرر التوجه التصالحي السعودي تجاه سوريا.
الآفاق
تسعى السعودية إلى خفض جزء من التوتر بينها وبين إيران عن طريق التعامل مع سوريا. وفي هذا السياق، قام وفد سعودي بزيارة لسوريا في أبريل الماضي كرسالة إلى إيران بأنه في الحرب الأهلية السورية “انتصر الطرف الذي استثمرت إيران فيه و لا تريد السعودية أن تتحدى هذه الحقيقة”. لكن يجب عدم تجاهل أن السعودية تنظر إلى سوريا – على أساس “سياسة تقليدية” – بأنها جزء من العالم العربي وتسعى اليوم إلى تحسين علاقاتها مع سوريا في إطار جهودها القديمة لإخراج سوريا من المدار الإستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ مع أنها ترى في سوريا – في نفس الوقت – جسراً ذهبياً للتعامل مع إيران. و وفقاً للتقارير الواصلة فأن الوفد الذي بعثه بن سلمان إلى سوريا نقل رسالة إلى الأسد مفادها هي أن السعودية لم تعد تسعى إلى تغيير الرئيس السوري لكن في المقابل، يجب على الحكومة السورية أن تبتعد عن إيران و تقترب أكثر من السعودية.
إلا أنه بالنظر إلى كون الجمهورية الإسلامية تعد شريكة إستراتيجية لسوريا في المنطقة فلا يبدو أن تقبل دمشق المطلب السعودي و نتيجة لذلك، ستبقى آفاق نجاح المحادثات بخصوص استئناف العلاقات الثنائية ضبابية. لأن سوريا تلقت مقترحاً مماثلاً عام 2017 حيث وعد ولي العهد السعودي بشار الأسد بأنه سيبقى في السلطة إلى الأبد وستدفع السعودية كامل تكاليف إعادة إعمار سوريا شرط أن تقطع دمشق علاقاتها مع إيران وحزب الله. لكن المقترح السعودي قوبل برفض بشار الأسد.
سوريا لاعبة مهمة في محور المقاومة الإسلامية وقد دفعت أثمان باهظة للبقاء ضمن هذا المحور. إذن، فأن المواقف التصالحية للسعودية تجاه سوريا لن تحقق نجاحاً ملحوظاً طالما لن تغير الرياض سياساتها تجاه باقي حلقات محور المقاومة الإسلامية المترابطة كاليمن وفلسطين ولبنان وإيران.
0 تعليق