جدیدترین مطالب
أحدث المقالات
حلف الناتو عالق في خطأ حسابي ومأزق استراتيجي في الحرب الأوكرانية

صرّح روح الله مدبر في حوار مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية: “لقد أدخلت تطورات الحرب في أوكرانيا النظام الأمني الأوروبي في مرحلة من إعادة التعريف، حيث لم تعد واشنطن قادرة على إدارة الحرب، ولا الناتو قادراً على إنهائها”.
إعادة تعريف الأمن الأوروبي في ظل الحرب الأوكرانية
قال مدبر: “إن الحرب في أوكرانيا، خلافاً لبعض التوقعات الأولية، لم تؤد إلى انهيار سريع لروسيا، بل أحدثت تحولاً عميقاً في بنية الأمن الأوروبي”. وأضاف: “لقد تصوّر الأوروبيون أن بإمكانهم من خلال فرض عقوبات واسعة وإرسال أسلحة متطورة أن يغيّروا المعادلة لصالح أوكرانيا خلال بضعة أشهر، لكن بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع النزاع، لم يحققوا أي إنجاز يُذكر في ميدان المعركة، ولم يتمكنوا سياسياً من الحفاظ على إجماعهم الداخلي”.
وأوضح هذا المحلل أن “الناتو، من خلال توسيع قواعده العسكرية في مولدوفا ورومانيا، سعى إلى تطويق روسيا جغرافياً، غير أن هذا التوجه أدّى إلى تصاعد التوتر والانقسام داخل الاتحاد الأوروبي. فدول أوروبا الوسطى باتت تخشى امتداد الحرب إلى حدودها، فيما تعاني أوروبا في الوقت نفسه من أزمة طاقة وركود صناعي وضغط الرأي العام المطالب بإنهاء الحرب”.
وأضاف روح الله مدبر: “إن لقاء أحمد الشرع مع بوتين في الكرملين يمثل إشارة إلى إحياء محور موسكو – دمشق في مرحلة ما بعد الأسد. وقد أعلنت سوريا رسمياً أنها ستعزز تعاونها العسكري مع روسيا، في خطوة تُعدّ رداً مباشراً على ضغوط الناتو ومطالب أوروبا بقطع تعاون دمشق مع موسكو”.
وتابع المحلل قائلاً: “إن روسيا، في مواجهة تصاعد التوتر من جانب الغرب، اعتمدت استراتيجية متعددة الأبعاد. أحد وجوهها تعزيز التعاون مع كوريا الشمالية. فمشاركة نحو مئة ألف جندي كوري مدرَّب في معارك كورسك تُظهر أن موسكو تعيد تعريف قدراتها البشرية من خلال شركائها غير الغربيين”. وأضاف: “لقد صنعت كوريا الشمالية طائرات مسيّرة انتحارية جديدة، يقال إنها أكثر تقدماً من الطائرات الروسية المحلية. واستخدام هذه المعدات في ساحة أوكرانيا غيّر ميزان القوى وأثار الشكوك حول التفوق الجوي للناتو”.
وأشار أيضاً إلى أنه “إلى جانب هذا التعاون العسكري، تعمل روسيا في الوقت نفسه على توسيع تفاعلاتها الاستراتيجية في القطب الشمالي وأفريقيا. هذا التوجّه المتعدد الجبهات جعل الغرب غارقاً في ساحات مواجهة خارجة عن السيطرة الأحادية لواشنطن. وموسكو تدرك اليوم أن إنهاك الغرب لا يتحقق في أوكرانيا وحدها، بل من خلال تشتيت بؤر الأزمات”.
وأكد روح الله مدبر أن “تصريحات سيرغي لافروف حول التعاون العسكري غير المحدود مع طهران تمثل جزءاً من خطة روسية لمواجهة الضغط التسليحي الغربي بالمثل. وبهذا الموقف أوضحت موسكو أنه إذا امتد القتال إلى داخل أراضيها، فإنها مستعدة لتغيير ميزان القوى”.
وأضاف أن “الساحة السياسية الأمريكية تشهد بدورها تحوّلاً. فقد أعلنت موسكو أنها لا تعترف بتصريحات ترامب الأخيرة حول أوكرانيا، وأنها تعتبر مواقفه في قمة ألاسكا وحدها ذات مصداقية. وهذا الموقف رسالة واضحة إلى واشنطن بأن روسيا غير مستعدة لأي تسوية تكتيكية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا ضمن الأطر السابقة”.
المأزق الدبلوماسي والخطأ الحسابي الغربي
وقال المحلل: “لقد ارتكبت أوروبا في تصميم استراتيجيتها لاحتواء روسيا أخطاء حسابية أساسية. أولها أنها استبدلت السياسة بالعقوبات، وثانيها أنها علّقت آمالاً مفرطة على القدرات الداخلية لأوكرانيا”. وأضاف: “الآن، بعد مرور ثلاث سنوات، لم ينهَر الاقتصاد الروسي كما توقعت أوروبا، بل زادت صادرات الطاقة الروسية إلى شرق آسيا، واستطاع الروبل أن يحافظ على قدر من الاستقرار”.
وأوضح قائلاً: “لقد خرجت أوكرانيا من مرحلة الحرب الثابتة، وتمكنت روسيا من تحقيق بعض التقدّم الميداني في جبهات محددة. أما الناتو، فلا هو قادر على التقدم، ولا يرغب في التراجع، ما خلق وضعاً استنزافياً للطرفين”.
وقال مدبر: “إن زيلينسكي ما زال يعلّق آماله على دعم الولايات المتحدة، لكن الأجواء السياسية الجديدة في البيت الأبيض تشير إلى أن واشنطن لم تعد راغبة في تحمّل التكاليف الباهظة للحرب. تقليص الميزانية العسكرية في الكونغرس، ومعارضة الجمهوريين لمواصلة المساعدات، شكّل تحدياً جدياً في العلاقات بين واشنطن وكييف”.
وأضاف: “تستغل موسكو هذا الانقسام السياسي في الولايات المتحدة لتمارس ضغطاً نفسياً على أوروبا. وقد حمّل لافروف الأوروبيين المسؤولية الرئيسية عن استمرار الأزمة، محذّراً من أن الأوروبيين يحوّلون أوكرانيا إلى حرب ترامب. الروس، من جانبهم، أظهروا قدراتهم الردعية عبر تكثيف التجارب الصاروخية واختراق منظومات الدفاع الجوي التابعة للناتو، ما يعكس إرادة سياسية راسخة لدى الكرملين لمواصلة المقاومة الفعالة ضد الغرب”.
الردع النووي وخطر الحرب غير القابلة للسيطرة
وحذّر روح الله مدبر قائلاً: “رغم أن احتمال استخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية ضعيف، إلا أن التجربة أثبتت أن الحروب الاستنزافية ترفع احتمال الخطأ في الحسابات، وهو ما قد يؤدي إلى كسر عتبة الردع”.
وأضاف: “أعلن بوتين في مؤتمره الصحفي الأخير أن منظومات الدفاع الروسية تُعزَّز بسرعة، وأن تطوير الصواريخ الفرط صوتية الحاملة للرؤوس النووية مستمر. وهذه رسالة مباشرة إلى الناتو بعدم تجاوز الخطوط الحمراء للكرملين”.
وأكد أن “نشر الأسلحة النووية في بيلاروس يمثل مؤشراً واضحاً على رفع مستوى الإنذار الروسي، وهو رسالة مزدوجة إلى أوروبا والولايات المتحدة بضرورة تجنّب أي مغامرة نووية على حدود الناتو الشرقية”.
وختم مدبر بالقول: “إن استمرار مناورات الناتو يزيد من خطر انزلاق الصراع إلى مرحلة لا عودة منها. العودة إلى الدبلوماسية ليست خياراً أخلاقياً، بل ضرورة استراتيجية لبقاء النظام الأمني العالمي”.
			
			
			
			
			
			
			
			
0 تعليق