المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: هجوم أوكرانيا على منطقة كورسك والاستيلاء على جزء من الأراضي الروسية يشكل نقطة تحول في الحرب المستمرة منذ عامين ونصف بين روسيا وأوكرانيا. وفي حرب نفسية واسعة النطاق، زعمت الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية أن صواريخ باليستية أرسلت من إيران إلى روسيا للضغط على طهران وتبرير تسليح أوكرانيا بصواريخ أمريكية وأوروبية بعيدة المدى. وذلك على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت بوضوح أنها لم تزود روسيا بصواريخ.
مرتضى مكي ـ خبير في القضايا الأوروبية
كان يعتقد فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، أن بإمكانه استخدام هذه العملية المفاجئة كورقة رابحة في مفاوضات السلام وإجبار الروس على مقايضة الأرض بالأرض. لكن هذه العملية في منطقة كورسك في روسيا لم تلبي توقعات رئيس أوكرانيا إلى حد قيام زيلينسكي بإجراء تغييرات في مجلس الوزراء. وأعقب العملية المفاجئة في منطقة كورسك رد فعل روسي وتكثيف للهجمات الجوية والبرية. وفي الميدان، أحرزت روسيا تقدماً على الجبهة الشرقية. بينما اعتبرت الحكومات الأوروبية الداعمة لأوكرانيا أن دخول جيش هذا البلد إلى الأراضي الروسية هو حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وبالنظر إلى أن توقعاته لم تتحقق خلال العملية في منطقة كورسك، قام رئيس أوكرانيا بتحركات سياسية واسعة النطاق هذه المرة لإقناع الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية بهدف الحصول على صواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية. وبطبيعة الحال، فإن مواقف الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية في هذا الصدد ليست متناسقة وواضحة.
وفي حرب نفسية شرسة، زعمت الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية أن صواريخ باليستية أرسلت من إيران إلى روسيا للضغط على طهران وتبرير تسليح أوكرانيا بصواريخ أمريكية وأوروبية بعيدة المدى. وذلك على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت بوضوح أنها لم تزود روسيا بصواريخ. في الوضع الحالي، بالنسبة للولايات المتحدة والترويكا الأوروبية، يعد الضغط على إيران ومتابعة ترويج رهاب إيران هدفاً رئيسياً، وهما يستغلان كل فرصة لتنفيذ هذه السياسة. ولكن على الساحة السياسية للحرب في أوكرانيا، تدرك الحكومات الأوروبية تمام الإدراك العواقب والتهديدات التي قد يفرضها تسليح أوكرانيا بصواريخ باليستية بعيدة المدى لاستهداف عمق الأراضي الروسية على أمن أوروبا. وقد أعلن بوتين أن هذا الإجراء الذي اتخذته الحكومات الغربية بمثابة الدخول المباشر والرسمي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب مع روسيا. وفي الوقت نفسه، لا ترغب الحكومات الأوروبية في الدخول في مواجهة مباشرة مع هذا البلد في حرب بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا.
هناك عامل آخر مهم في حرب أوكرانيا دفع الحكومات الأوروبية إلى معارضة إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى هذا البلد، ألا وهو الانتخابات الأمريكية. أعلن دونالد ترامب، المرشح الجمهوري، أنه في حال فوزه بالانتخابات، فإن أولويته الأولى هي إنهاء الحرب في أوكرانيا. هذه الظروف وضعت ساحة الحرب الميدانية والسياسية في أوكرانيا في وضع معقد وصعب. وفي مثل هذا الوضع المعقد، ترسل الحكومات الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، باعتبارها المحرك الدافع وأكبر مصدري الأسلحة في أوروبا، إشارات إلى أوكرانيا للتحدث مع بوتين وبدء محادثات سلام بمشاركة روسيا، إلى جانب دعم شامل لأوكرانيا. في هذا الصدد، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز أن أي مؤتمر سلام مستقبلي للحرب في أوكرانيا يجب أن يكون بمشاركة روسيا؛ كما غيّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موقفه ودعا إلى إعادة النظر في العلاقات مع روسيا، وأكد في بيان له على الحاجة إلى نظام عالمي جديد وشدد على أنه يتعين على أوروبا إعادة النظر في علاقاتها الحالية مع روسيا من أجل إحلال السلام والاستقرار في هذه القارة. وفي نهاية شهر مارس/آذار من العام الماضي، دعا ماكرون إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنه الآن يعلن عن استعداده للحديث مع بوتين في أي موضوع يهمه. وتظهر هذه المواقف أن الأجواء السياسية في أوروبا تسير في اتجاه تغييرات جوهرية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
0 تعليق