المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في خضم جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية بدورها "أوضاعاً غير مستقرة"، بحيث تصاعدت في الأشهر الأخيرة، بالتزامن مع اشتداد الهجمات الصهيونية على غزة، التوترات في هذه المنطقة الحساسة وتنامت "التهديدات الأمنية" ضد الكيان الصهيوني لدرجة أثارت قلقاً عميقاً لدى اوساطه الأمنية والاستخباراتية.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية
إن التطورات الميدانية والحرب في غزة، وتبني السلطة الفلسطينية موقف “الحياد السلبي” تجاه إبادة سكان غزة ورفح، وتكثيف جيش الاحتلال عملياته في الضفة الغربية، وتشجيع ومساعدة جبهة المقاومة الإسلامية خاصة حماس والجهاد الإسلامي لسكان الضفة الغربية لمواجهة الكيان الصهيوني، وأخيراً تسليح المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية، هي خمسة “عوامل فعالة” في زيادة عمق ونطاق التهديدات الأمنية في هذه المنطقة.
فيما يتعلق بالحرب في غزة فالأمر واضح تماماً؛ لأن جزءاً كبيراً من المشاكل الأمنية والعسكرية التي يواجهها الصهاينة اليوم في الضفة الغربية سببها الأساسي هو الجرائم التي يرتكبونها في قطاع غزة.
أما العامل الثاني فهو سياسية “التقاعس” وأحياناً “التثبيط” التي تنتهجها السلطة الفلسطينية إزاء حرب غزة. إن تبني مثل هذه السياسات والسلوكيات، التي تعزز أحياناً موقف الكيان الصهيوني، عزز وتيرة “التباعد” بين سكان هذه المنطقة والسلطة، و”التقارب” مع المقاومة الإسلامية وحركة حماس.
العامل الثالث هو “تكثيف العمليات العسكرية” للجيش الصهيوني ضد سكان الضفة الغربية. هناك أدلة تثبت أن الكيان الصهيوني، الذي فشل في غزة، يحاول نقل “مركز ثقل” عملياته من غزة إلى الضفة الغربية، مما دفع حركة الجهاد الإسلامي إلى إصدار بيان تدعو فيه الفلسطينيين في الضفة الغربية للانتفاض ضد الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة تصدياً لـ “مخططات التهجير القسري والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني”.
العامل الرابع هو “مساعدات جبهة المقاومة الإسلامية”. حقيقة تطوير حماس بنيتها التحتية العسكرية وإنتاجها صواريخ قصيرة المدى أصبحت اليوم أكثر وضوحاً، مما يشير بوضوح إلى عمق التهديدات الأمنية ضد الكيان الصهيوني من هذه الناحية.
العامل الخامس هو العنف الناجم عن “تسليح المستوطنين” من قبل الصهاينة. بدأت عملية تسليح المستوطنين العام الماضي بأمر من “إيتمار بن غوير” وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني.
بحسب الإحصائيات الرسمية، منذ بداية حرب غزة تم تقديم أكثر من 330 ألف طلب للحصول على تصاريح أسلحة، وفي هذا الصدد تم إصدار 140 ألف تصريح لمقدمي الطلبات الصهاينة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية.
في الأشهر العشرة الماضية، أدى عنف المستوطنين وجنون التدمير الذي حصل بدعم من الحكومة في الضفة الغربية إلى تهجير حوالي 1260 فلسطينياً من منازلهم في القرى البدوية مثل أم الخير. هذا فيما سجل 1250 اعتداء للمستوطنين في الضفة الغربية منذ بداية حرب غزة، أي بمعدل أربع اعتداءات يومياً.
وبحسب الإحصائيات، فإن نحو 120 من هذه الهجمات أسفرت عن مقتل أو جرح فلسطينيين، وتسبب نحو 1000 منها بأضرار في ممتلكات الفلسطينيين.
إن تزايد عملية تسليح المستوطنين المتطرفين، والتي تسببت في “هجمات عنيفة” على الفلسطينيين، يتم بهدف “إثارة الرعب” بين المدنيين و”تهجيرهم” من أجل “احتلال الأراضي الفلسطينية”. لكن التطورات الميدانية والأمنية تظهر أن هذه الخطة لم تحقق أهدافها، بل جعلت الوضع الأمني في الضفة الغربية أكثر صعوبة ووضعت الصهاينة في “موقف حرج”.
على الرغم من أن قادة الكيان الصهيوني كانوا يظنون أنه من خلال تسليح المستوطنين وتشكيل “جيش غير رسمي” يلعب دور مشاة الجيش، يمكنهم استخدامهم كقوة داعمة للقوات العسكرية والأمنية في الضفة الغربية عندما يكون الجيش الرئيسي منخرطاً في حرب واسعة النطاق مع الفلسطينيين في غزة ووضع سكان المنطقة في مأزق، إلا أنهم في الحقيقة واجهوا نتائج عكسية وعواقب ضارة.
بشكل طبيعي، كان من المتوقع بالفعل أنه كلما زاد الكيان الصهيوني من إصراره على تسليح المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية واستمراره في هذه السياسة، فإنه سيواجه قدراً أكبر من المشاكل والتهديدات.
مجموعة العوامل المذكورة جعلت الضفة الغربية على شفا “انفجار كبير”. حتى أن الأوساط السياسية والأمنية في الكيان الصهيوني تحذر علناً من وقوع “الانتفاضة الثالثة” أو “تكرار طوفان الأقصى” بشكل آخر في هذه المنطقة.
على الرغم من الإجراءات التي يتخذها الكيان الصهيوني لمنع وقوع حوادث أمنية مروعة، فإذا لم تتوقف الحرب في غزة واستمر المستوطنون وجيش الكيان المجرم في هجماتهم وعنفهم، فمن المؤكد أن الوضع في الضفة الغربية يمكن أن يتدهور بسرعة ويتحول إلى “تحد استراتيجي” جدي للكيان الصهيوني.
0 تعليق