المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: قد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة وافقت على بيع أسلحة متنوعة للكيان الصهيوني بقيمة 20 مليار دولار، من بينها صواريخ جو ـ جو متوسطة المدى، و 50 مقاتلة من طراز إف ـ 15، ومركبات عسكرية، وذخائر حربية.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
منذ بداية حرب غزة، أرسلت الإدرة الأمريكية أكثر من 230 طائرة شحن و 20 سفينة محملة بالأسلحة إلى الكيان الصهيوني، من ضمنها أسلحة دمار شامل. وهي مساعدات عسكرية لم تقدم الولايات المتحدة قط مثلها لأي حليف في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة.
رغم أن لدى الولايات المتحدة لوائح وقيود معينة بشأن بيع أو إرسال المساعدات العسكرية إلى الدول الأجنبية مثل قانون “ليهي” الذي يحظر تسليم مساعدات عسكرية إلى حكومات أو جماعات أجنبية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أن الكيان الصهيوني معفى من كافة الأنظمة والقوانين المذكورة. لذلك، فإن هذا الكيان، فضلاً عن إمكانية تسلمه جميع أنواع المساعدات العسكرية والأسلحة الأمريكية بشكل غير محدود، ليس مسؤولاً أمام أي طرف عن طريقة استخدامها.
وفيما يتعلق بـ “أهداف” الدعم العسكري الأمريكي الأخير للكيان الصهيوني، لا بد من الانتباه إلى النقاط التالية:
أولاً؛ إن زيادة مخزونات الأسلحة لدى الكيان الصهيوني هي أحد الأهداف المباشرة في هذا المجال. لقد تسببت الحرب في غزة في تدمير جزء كبير من المعدات العسكرية لدى الكيان الصهيوني ووضعت هذا الكيان في “أزمة لوجستية حادة”. اليوم، يواجه الكيان الصهيوني مستودعات أسلحة شبه فارغة، بعد مرور عشرة أشهر وفي وقت يحارب على عدة جبهات.
على سبيل المثال، كانت خسائر دبابات ميركافا المتطورة (أكثر من 1500 دبابة) والمدرعات في هذه الحرب فادحة جداً حيث تم اخراج أجيالها الجديدة والمتطورة عن الأنشطة القتالية وحتى التدريب، الى جانب أن الكيان الصهيوني المجرم يواجه أزمة حادة في توظيف أجيالها القديمة، حيث اضطر إلى استخدام المركبات المدرعة القديمة التي كانت قد خرجت عن الخدمة.
ثانياً؛ إن خسارة جزء كبير من القدرات العسكرية وبالتالي انهيار الردع، قد أضعف بالتأكيد موقف الكيان الصهيوني في محادثات وقف إطلاق النار. لذلك، تحاول الولايات المتحدة من خلال الإعلان عن مساعدات عسكرية بقيمة 20 مليار دولار ترميم القدرات العسكرية للكيان وتعزيز “القدرة التفاوضية” للصهاينة على طاولة المحادثات و”انتزاع امتيازات” أكثر من المقاومة الفلسطينية.
ثالثاً؛ الكيان الصهيوني هو في الحقيقة “ثكنة” يعتمد بقاؤها ووجودها السياسي على “الأسلحة”. لذلك، بدون تدفق جميع أنواع الأسلحة إليه بوفرة وسهولة، يتعرض وجوده للخطر. هذه هي النقطة التي من خلالها يمكن للمرء أن يفهم سبب تلقي الصهاينة الأسلحة الأمريكية دون قيود.
من خلال تأكيد الصفقة الأخيرة بقيمة 20 مليار دولار، وهو رقم مرتفع للغاية، فإن الولايات المتحدة تهدف إلى إحياء البنية التحتية العسكرية للكيان الصهيوني وملء مستودعات ذخائره التي أدت حرب غزة، بحسب إحصائيات غير رسمية، إلى تدمير ما يقرب من نصفها.
رابعاً؛ أدت تهديدات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله اللبناني وأطراف أخرى في جبهة المقاومة الإسلامية برد قاس ومؤلم على الكيان الصهيوني إلى اشتداد القلق و”الارتباك النفسي العميق” في جيش الكيان الصهيوني وقواته المسلحة وسكان فلسطين المحتلة.
إن موافقة الولايات المتحدة على صفقة مبيعات عسكرية بقيمة 20 مليار دولار للكيان الصهيوني في الوقت الذي يعاني فيها الصهاينة من الارتباك والقلق، تهدف أيضاً إلى “رفع معنويات” و”طمأنة” هذا الكيان.
خامساً؛ يعتبر دعم اللوبي اليهودي من أكثر العوامل فاعلية في فوز مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية المقبلة. وعليه، يسعى الديمقراطيون الموجودون في السلطة حالياً إلى استقطاب وكسب تأييد اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية من خلال تأكيد ونشر خبر بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار للكيان الصهيوني.
سادساً؛ إن الوتيرة المتنامية للمساعدات العسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني خلال الأشهر العشرة الماضية تظهر بوضوح أن واشنطن “تمارس التجارة” فعلاً بحرب غزة. إن الموافقة على بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار من شأنها أن تطيل أمد الحرب في غزة مما يزيد من “أرباح” المجمعات الصناعية – العسكرية الأمريكية.
في الوقت نفسه، فإن بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار للكيان الصهيوني له “تداعيات” كبيرة:
أولاً؛ طالما تتدفق المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني، فإن الجهود الدولية والإقليمية لوقف الحرب في غزة ستبقى عقيمة بالتأكيد؛ لأن تلك المساعدات هي “العامل” الأكبر والأهم في اطالة الحرب في غزة.
تمتلك الولايات المتحدة القدرة على إجبار الكيان الصهيوني على إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة من خلال رفض تزويده بالأسلحة. لكن السماح للكيان الصهيوني بالحصول على أسلحة عسكرية جديدة بمليارات الدولارات هو في الحقيقة تجاهل للمساعي الرامية إلى وقف الحرب، بل و إعطاء هذا الكيان فرصة كافية لمواصلة جرائمه في غزة وتشديد “الصراعات في منطقة”.
وأقل النتائج المترتبة على استمرار الصراعات الإقليمية هو تكثيف التدخلات الخارجية والدولية، وما ينتج عن ذلك من تزايد حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن والإرهاب.
ثانياً؛ إن صفقة الأسلحة الأمريكية الأخيرة للكيان الصهيوني تكفي ليدرك الرأي العام الإقليمي والدولي والشعوب الإسلامية عمق ونطاق الدعم العسكري الشامل الذي تقدمه الولايات المتحدة للكيان المجرم في حرب غزة.
وقد يكون لهذا الأمر تأثير كبير على تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة والعالم؛ وهو ما قد يؤدي كذلك إلى تصاعد الاحتجاجات ضد الإدارة الأمريكية والصهيونية داخل الولايات المتحدة.
على كل حال، فإن التدفق غير المحدود للأسلحة من الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني، على الرغم من أنه يملأ مستودعات الكيان بالأسلحة، لن يساهم شيئاً في ضمان بقاء الكيان ووجوده على “المدى البعيد”.
إن الواقع الكارثي الذي يعيشه الكيان الصهيوني في غزة، في العام السادس والسبعين بعد تأسيسه، حيث لا يستطيع الوقوف بمفرده على قدميه أمام مجموعة فلسطينية صغيرة، يدل على أنه بدون دعم الولايات المتحدة، فإن فترة “صمود” الكيان المجرم ضد فصائل مثل حماس ستكون قصيرة للغاية.
0 تعليق