المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال باحث في الشأن التركي: "التعاون العسكري التركي مع أوكرانيا، خاصة في مجال إنتاج طائرات "بيرقدار" المسيّرة، ليس بالأمر الهيّن؛ إلا أن تركيا استناداً إلى سياسة متعددة الأوجه تبنتها منذ بداية الحرب الأوكرانية، تحاول لعب دور فعال في الأزمة الأوكرانية من أجل الحفاظ على موقعها في مجال خلق التوازن الإقليمي والعالمي."
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال سيامك كاكائي: “تعرف روسيا أن تركيا تربطها علاقات وثيقة مع أوكرانيا وتدعم الأخيرة، لكن هذا لا يعني تجاهل موسكو ممارسات أنقرة دائماً. من ناحية أخرى، تعلم أوكرانيا أن تركيا تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا في مجال الغاز والاقتصاد والسياسة. بالإضافة إلى ذلك، يدرك الغرب وحلف الناتو أيضاً أهمية تركيا في الأزمة الأوكرانية، مما جعلهما لا ينزعجان من السياسة التي تتبناها تركيا في هذا الشأن وإنما يرحبان بها.”
وذكر أن النقطة المحورية في معادلة تركيا متعددة الأوجه هي موقع البلاد الجيوسياسي في المنطقة، وهو ما منحها القدرة على التحرك في هذا المشهد.
وبالإشارة إلى تصريح أردوغان الذي قال فيه “بأننا لن نتخلى عن مصالح تركيا العالمية وسنستمر في علاقاتنا مع روسيا وأوكرانيا في آن معاً”، قال الباحث في الشأن التركي: “هذه المواقف تظهر أن تركيا تنتهج سياسة التفاعل والتعاون مع كافة الدول والفاعلين الإقليميين والعالميين في سياستها الخارجية.”
ولفت كاكائي إلى إبرام تركيا عقداً مع أوكرانيا لإنتاج طائرات “بيرقدار” المسيّرة في أوكرانيا، قائلاً: “هذا جزء من استراتيجية تركيا العسكرية والدفاعية، التي هي في طور التوسع. تتابع تركيا اليوم خطط إنتاج الطائرات المسيّرة في عدد كبير من البلدان، بما في ذلك السعودية وقطر. بشكل أساسي، فإن صناعة الطائرات المسيّرة التركية تشهد توسعاً في بلدان أخرى.”
وأوضح الخبير أن للأزمة الأوكرانية والواقع القائم هناك خلفية تاريخية تعود إلى أزمة شبه جزيرة القرم عام 2014، مضيفاً: “لقد كان لتركيا دائماً موقف منتقد تجاه ضم شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية ولم تعترف يوماً به أرضاً روسية بل لطالما اعتبرته جزءاً من أراضي أوكرانيا. خلال العقد الماضي، حاولت تركيا إظهار شكل جديد من السياسة الخارجية يتسم بالاستقلال. فبعد انقلاب عام 2016، حسّنت تركيا علاقاتها مع روسيا وعززت في الوقت نفسه التعامل مع أوروبا والصين بالقدر نفسه، وواصلت شراء أنظمة صواريخ إس-400 من روسيا أو بناء خطوط غاز جديدة على الرغم من معارضة الغرب له. من خلال هذه الإجراءات، تعتزم تركيا الحفاظ على قدراتها للعب دور فعال في المنطقة على المدى الطويل.”
وأكد كاكائي على أن الحرب في أوكرانيا عكست صورة جديدة لموقع تركيا الجيوسياسي ووجهت أنظار الغرب نحو هذا البلد، موضحاً: “لقد أولت تركيا اهتماماً بعدة قضايا فيما يتعلق بأوكرانيا، من بينها السعي إلى التوسط بين روسيا وأوكرانيا وهو ما تابعته منذ اندلاع الحرب إذ تعتقد أن لديها القدرة على التوسط لإنهاء هذه الحرب. ومن خلال اخذ وعطاء سياسي وتعاون عسكري مع روسيا وأوكرانيا، تحاول تركيا إظهار دورها كدولة ذات تأثير فعال في الحد من الأزمات الدولية.”
وعن موقف روسيا فيما يتعلق بالتعاون بين تركيا وأوكرانيا، خاصة في مجال إنتاج طائرات “بيرقدار” المسيّرة، قال الباحث في الشأن التركي: “روسيا بحاجة إلى التعاون مع تركيا لإبطال مفعول العقوبات الدولية، لذلك تتغاضى عن بعض الخطط والعقود العسكرية التي أبرمتها تركيا مع أوكرانيا. وهذا النهج الروسي مستمد من حاجتها إلى تركيا. لم تكن قضية بيع طائرات بيرقدار المسيرة لأوكرانيا وليدة العام المنصرم، بل كانت هناك اتفاقيات بين البلدين منذ سنوات وبالمناسبة، قد عارضتها روسيا بشدة. لكن الوضع الحالي مختلف بسبب الحرب، حيث أن تركيا قد تحولت إلى لاعب فعال في هذه المرحلة بسبب حاجة روسيا وأوكرانيا والغرب إليها وتدير المسرح وفق هذا الواقع.”
واختتم كاكائي قائلاً: “نظراً لدخول الحرب في أوكرانيا مرحلة الاستنزاف، هناك احتمال لتعزيز تركيا ـ كوسيط ـ مشاوراتها. في هذا الصدد، أطلق مسؤولون أتراك مؤخراً تصريحات عن الوساطة أو المصالحة بين كييف وموسكو، على مستوى يتخطى علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع روسيا وأوكرانيا وهو ما يأتي في إطار الدور الذي رسمته تركيا لنفسها في مجال العلاقات الدولية.”
0 تعليق