المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرح خبير في الشؤون الأوروبية أن الإجراءات المؤسسية للاتحاد الأوروبي ضد جمهورية أذربيجان تجري متابعتها بحذر، قائلاً: "من ناحية، لا يريد الاتحاد الأوروبي التصرف بشكل منفعل فيما يتعلق بقضايا القوقاز؛ لكن من ناحية أخرى، إن حاجة أوروبا إلى غاز أذربيجان دفعها إلى اتخاذ خطوات حذرة فيما يتعلق بإرسال معدات عسكرية إلى أرمينيا. لذلك لم يتم إرسال جميع المعدات العسكرية التي تم الاتفاق بشأنها في الاتفاقية الفرنسية ـ الأرمينية. حيث لم تُرسَل سوى الأنظمة الدفاعية، وذلك بشكل حذر للغاية وأقل مما تم الاتفاق بشأنه."
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، اعتبر الدكتور إبراهيم باقري دعم فرنسا لأرمينيا من الناحية المؤسسية من خلال الاتحاد الأوروبي وكذلك الناحية التاريخية والسياسية والثقافية بين فرنسا وأرمينيا، وخاصة بسبب وجود جالية أرمنية قوية في فرنسا، أمراً يجب أخذه في الاعتبار، مضيفاً: “في الأسابيع الماضية وبعد استعادة جمهورية أذربيجان قره باغ، نشرت دائرة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي وثيقة تنص على أنه سيتم النظر تدريجياً في فرض المزيد من القيود على جمهورية أذربيجان.”
وذكر أن هذه القيود هي على ثلاثة مستويات مالية – اقتصادية وعسكرية وسياسية، مضيفاً: “بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا تؤيد فرض المزيد من القيود ضد جمهورية أذربيجان. لكن بعض الدول مثل النمسا والمجر، باعتبار علاقاتها مع جمهورية أذربيجان واعتمادها الغازي على الممر الجنوبي، تفضل تقديم مساعدات عسكرية لأرمينيا بدلاً من فرض المزيد من القيود على جمهورية أذربيجان.”
وصرح الخبير في الشؤون الأوروبية: “على خلفية هذه التطورات، تبنى البرلمان الأوروبي في 5 أكتوبر (تشرين الأول) قراراً بأغلبية الأصوات، طالب فيه قادة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية فرض عقوبات هادفة ضد جمهورية أذربيجان ومسؤوليها الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان في منطقة قره باغ، فضلاً عن مراجعة العلاقات بين جمهورية أذربيجان والاتحاد الأوروبي.”
وأشار باقري إلى عدم خروج اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس الأوروبي ورئيس فرنسا ومستشارة ألمانيا ورئيس وزراء أرمينيا بنتيجة بسبب غياب إلهام علييف الذي كان في زيارة إلى إسبانيا، مردفاً: “الاتحاد الأوروبي يبذل جهوداً كبيرة لفرض قيود على جمهورية أذربيجان. لكن الحرب في أوكرانيا وحاجة أوروبا الماسة للغاز الأذربيجاني حالتا دون ذلك. ولا ينبغي أن ننسى أنه في يوليو (تموز)، تم إبرام اتفاق لزيادة صادرات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، والذي بموجبه سترتفع صادرات الغاز من 10 مليار متر مكعب سنوياً في عام 2022 إلى 20 مليار متر مكعب بحلول عام 2027. في هذا السياق، ارتفع هذا الرقم إلى 12 مليار متر مكعب سنوياً خلال الفترة من 2022 إلى 2023 عبر ممر الغاز الجنوبي.”
وإذ بيّن أنه بعد الحرب في أوكرانيا، قام الاتحاد الأوروبي باستثمارات في هذا الممر تحقق حالياً بعض نتائج، قال: “لقد تسببت هذه القضايا في متابعة الإجراءات المؤسسية للاتحاد الأوروبي ضد جمهورية أذربيجان بحذر. وتزامناً مع هذه التطورات، وصفت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، خلال زيارتها لجمهورية أذربيجان، باكو بالشريك الحيوي لإمدادات الغاز الأوروبي على المدى الطويل، وذكرت أن الاتحاد سوف يقوم بمزيد من الاستثمارات لزيادة استيعاب ممر الغاز الجنوبي.”
وبالإشارة إلى تصريح باشينيان في البرلمان الأوروبي بأن قوات حفظ السلام الروسية حاولت تغيير النظام السياسي في أرمينيا بارتكاب خيانة لأرمينيا، أضاف الخبير في القضايا الأوروبية: “على الرغم من ترحيب الولايات المتحدة وأوروبا بتوجه أرمينيا نحو الغرب، إلا أن الاتحادالأوروبي يدرك أنه بسبب عضوية أرمينيا في معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، اللذين يعدان منافسين للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والمعاهدات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، فإن هذه الخطوة قد ترفع من مستوى التوترات مع روسيا في منطقة جنوب القوقاز ولهذا السبب يحاول أن يتحرك على مستوى الدعم السياسي والدبلوماسي وإرسال بعض المعدات الدفاعية عبر فرنسا التي يربطها تاريخ من العلاقات التاريخية والثقافية بأرمينيا.”
ولفت باقري إلى زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى أرمينيا في 11 أكتوبر (تشرين الأول)، واعتبر أن هدف فرنسا يتمثل في دعم سيادة أرمينيا وفي هذا الصدد، وإلى جانب الدعم السياسي، ستزود أرمينيا بالمعدات الدفاعية التي تحتاجها، قائلاً: “نتيجة هذه الزيارة، تم الاتفاق على تزويد أرمينيا بأنظمة الدفاع الصاروخي وأنظمة الصواريخ قصيرة المدى ونظام الرادار ماستر 200وناقلات جنود باستيون المدرعة. كان أساس هذا الاتفاق هو القرار الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الفرنسي بأغلبية 235 صوتاً، والذي طُلب فيه من الحكومة الفرنسية إدانة جمهورية أذربيجان بسبب الهجمات ضد أرمينيا وتعزيز القوة الدفاعية لأرمينيا.”
وأوضح أسباب دعم أوروبا وفرنسا لأرمينيا قائلاً: “في الوضع الحالي، فإن عضوية أرمينيا في المنظمات السياسية والأمنية (معاهدة الأمن الجماعي) والمنظمات الاقتصادية (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي) التي أسستها روسيا، من ناحية وحاجة أوروبا لغاز جمهورية أذربيجان في ممر الغاز الجنوبي من ناحية أخرى، جعلت الاتحاد الأوروبي مضطراً إلى توخي المزيد من الحذر في دعم أرمينيا وفرض المزيد من القيود على جمهورية أذربيجان، وقد تم إسناد هذه المسؤولية إلى فرنسا بسبب العلاقات التاريخية بينها وبين أرمينيا. فبعد روسيا والولايات المتحدة، تضم فرنسا أكبر جالية أرمنية وهي الأكبر في أوروبا. وبالنظر إلى العلاقات التاريخية والسياسية والثقافية بين البلدين، فإن فرنسا هي الداعم التقليدي الأهم والرئيسي لأرمينيا في أوروبا، ويعتبر اللوبي الأرمني في فرنسا أحد الفروع الرئيسية للوبي الأرمني في العالم. لذلك، خلال السنوات التي تلت استقلال أرمينيا، كان لفرنسا دور ونفوذ في هذا البلد ووفرت باريس الدعم ليريفان.”
وذكر باقري أن فرنسا هي اللاعب الرئيسي في دفع سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أرمينيا، وأشار إلى تصريح باكو بأنه إذا حدث صراع آخر بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان فإن فرنسا هي المسؤولة الرئيسية عنه، مضيفاً: “يبدو من غير المحتمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إيجاد بديل للممر الجنوبي على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، قامت أوروبا منذ عام 2022 باستثمارات كبيرة في حقول الغاز في جمهورية أذربيجان، لذلك، طالما أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على طاقة هذا البلد، فلا يمكنه اتخاذ أي إجراء خاص ضده.”
واختتم الخبير مؤكداً: “بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن القول إن فرنسا تسعى إلى تزويد أرمينيا بالسلاح لدرجة إشعال حرب أخرى في المنطقة. فضلاً عن ذلك، لا يريد الاتحاد الأوروبي التصرف بشكل منفعل فيما يتعلق بقضايا القوقاز؛ لكن من ناحية أخرى، إن حاجة أوروبا إلى غاز أذربيجان دفعها إلى اتخاذ خطوات حذرة فيما يتعلق بإرسال معدات عسكرية إلى أرمينيا. لذلك لم يتم إرسال جميع المعدات العسكرية التي تم الاتفاق بشأنها مع وزيرة الخارجية الفرنسية؛ حيث لم تُرسل سوى الأنظمة الدفاعية، وذلك بشكل حذر للغاية وأقل مما تم الاتفاق بشأنه. بالنظر إلى الوضع الحالي على الأرض، فلا يبدو أن هدف فرنسا هو التحضير للحرب حتى تتمكن أرمينيا من استعادة قره باغ. إلى ذلك، أعلن باشينيان قبوله شروط توقيع السلام ويأمل في توقيع اتفاق سلام في المستقبل القريب.”
0 تعليق