المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في الشأن السوري إن مقاربة تركيا تجاه الشمال السوري، لا يزال من الممكن أن تسبب لسوريا العديد من التحديات الأمنية وتجلب تداعيات واسعة على سوريا والمنطقة، مضيفاً: "يبدو أنه بعد معارضة بشار الأسد وإعلانه شروطه، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية التركية، أصبح موقف أنقرة تجاه دمشق أكثر تشدداً".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار مصطفى نجفي إلى تصريحات رجب طيب أردوغان بأن تركيا ترغب في لقاء بشار الأسد لكنها لن تسحب قواتها العسكرية من الشمال السوري، قائلاً: “قبل الانتخابات الرئاسية التركية، بذل الأتراك وأردوغان شخصياً الكثير من الجهود لإحياء العلاقات مع سوريا واستعادتها على أي مستوى حتى يتمكنوا من استخدام هذه الورقة في الحملة الانتخابية لأردوغان، فضلاً عن التستر على النتائج السلبية لإستراتيجية أنقرة تجاه التطورات السورية وكذلك تداعيات وجود عدد كبير من المهاجرين السوريين في تركيا”.
وذكر أن بشار الأسد عارض اللقاء مع أردوغان لأسباب مختلفة، واعتبر العلم بنوايا أردوغان لاستغلال الأمر شخصياً، ووجهة نظر تركيا التكتيكية إلى إعادة العلاقات ولقاء رئيسي البلدين، فضلاً عن عدم قبول أنقرة شروط الحكومة السورية من بين هذه الأسباب، موضحاً: “يبدو أنه بعد معارضة بشار الأسد وإعلانه شروطه، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية التركية، أصبح موقف أنقرة أكثر تشدداً. ينبغي تقييم تصريحات أردوغان الأخيرة التي شدد فيها على أن تركيا لن تنسحب من الشمال السوري، في سياق تشديد المواقف التركية”.
وتابع المحلل للقضايا السورية: “رغم أن سوريا لديها حاجة إستراتيجية وملحة لإعادة العلاقات مع جميع الدول، خاصة جيرانها وتركيا، فإن الشرط الأساسي لسوريا هو أن عودة أي مستوى من العلاقات تعتمد على انسحاب القوات التركية المحتلة من مناطق الشمال السوري. مع الأسف، لم تقبل الحكومة التركية وأردوغان هذا الشرط حتى الآن، ويبدو من غير المرجح أن يرغب بشار الأسد في حل مشاكل حكومته أو الخروج من العزلة بطريقة تعرض وحدة أراضي سوريا للخطر”.
وشدد نجفي: “إذا أرادت سوريا الحصول على امتياز استعادة العلاقات مع تركيا دون سحب الأخيرة قواتها من الشمال السوري، فهذا يعني الاعتراف بالوجود العسكري التركي في شمال البلاد”.
وفي معرض شرحه لتداعيات استمرار الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، قال: “أقامت تركيا أكثر من مئة قاعدة عسكرية في الشمال السوري وتسيطر على معابر مهمة في هذه المنطقة. تركيا ليست مستعدة للتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في هذه المناطق أو الانسحاب. كان لهذا الاحتلال العسكري العديد من التداعيات الأمنية والسياسية على الحكومة السورية. في الوقت الحالي، إدلب هي المنطقة الوحيدة في شمال سوريا التي لا تزال في أيدي المعارضة والجماعات الإرهابية. هذه الجماعات مدعومة من تركيا ووجودها أدى إلى استمرار وتفاقم حالة عدم الاستقرار”.
وأكد المحلل للشؤون السورية: “مقاربة تركيا تجاه الشمال السوري مزعزعة للاستقرار ويمكن أن تسبب في العديد من التحديات الأمنية الجديدة لسوريا. هذه التحديات واستمرار الوجود العسكري في الوضع الراهن سيكون له تداعيات واسعة على سوريا والمنطقة. تمكنت الحكومة والجيش في سوريا من استعادة السيطرة على كامل البيئة الأمنية والميدانية في سوريا. لكن في منطقة إدلب، بسبب تدخل تركيا، لم تكن هذه السيطرة ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضية اللاجئين السوريين هي أيضاً قضية مهمة للمنطقة، ويجب أن تكون سوريا قادرة على خلق أرضية لعودة اللاجئين وإعادة بناء البنية التحتية وتوفير التعليم والصحة والمياه بطريقة مستدامة لشعبها”.
وتابع نجفي: “لا يبدو أن الأسد يلتقي بأردوغان قبل انسحاب القوات العسكرية التركية. ربما تستمر المفاوضات السياسية بين البلدين، لكن لن تتحقق استعادة العلاقات والعودة إلى ما قبل 2011”.
وأكد الخبير في الشأن السوري على أن الوجود العسكري التركي في الشمال السوري هو ورقة لعب في يد الحكومة التركية تتجاوز علاقات أنقرة بدمشق، موضحاً: “تجني تركيا فوائد كثيرة من وجودها في الشمال السوري، وخلال هذه السنوات استخدمت هذه الورقة الإقليمية عدة مرات ضد روسيا والولايات المتحدة. حالياً، لا يستطيع الروس ممارسة الكثير من الضغط على أنقرة لسحب قواتها العسكرية بسبب الاعتبارات التي لديهم في العلاقات مع تركيا في حقبة ما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. لا تستطيع الحكومة السورية وحدها كذلك توفير النفوذ اللازم لدفع تركيا إلى الانسحاب من الشمال السوري”.
وأشار نجفي إلى مساعي إيران وروسيا لعقد الاجتماع الرباعي الثاني بحضور تركيا وسوريا في الأيام المقبلة، قائلاً: “هذه الاجتماعات تهدف في الغالب إلى تخفيف أو إدارة التوترات والصراعات في الشمال السوري، وحتى الآن كان عقد اجتماعات أستانة وسوتشي في الغالب في حالات شهدت الأوضاع فيها بعض التوترات أو اشتدادها. وكان وزير الخارجية التركي قد أوضح أنه تم الاتفاق في اجتماع موسكو على خارطة طريق ومجموعة إجراءات، وبناء عليها تدرس تركيا الشروط التي طرحتها حكومة الأسد”.
وفي إشارة إلى توقعات تركيا بالحصول على تنازلات من روسيا وسوريا، قال: “عشية اجتماع موسكو الرباعي بشأن سوريا، أرسلت تركيا رتلاً عسكرياً كبيراً يضم عتاداً عسكرياً ولوجستياً ومدرعات ودبابات وقاذفات صواريخ، إلى قواعدها في جبل الزاوية جنوب إدلب ونشرتها على خطوط التماس مع الجيش السوري. في هذه الحالة، ستحاول الحكومة السورية ممارسة الضغط اللازم على الحكومة التركية من خلال استغلال الفرصة المتاحة لها من جراء عودة علاقاتها مع جامعة الدول العربية والحكومات العربية. كما نرى جهوداً من الأردن لدفع إستراتيجية “خطوة أمام خطوة”.
وأوضح المحلل للشؤون الدولية أسباب أهمية علاقات تركيا مع الدول العربية في المجالين الاقتصادي والسياسي وكذلك ضرورة انسحاب القوات العسكرية التركية من سوريا في هذا الصدد، موضحاً: “الطرق السريعة بين الدول العربية وتركيا تلعب دوراً مهماً لكلا الجانبين. تعتمد إعادة فتح طريق إم – 5 السريع الذي يربط سوريا بالأردن على سيطرة الحكومة السورية الكاملة عليه وربطه بالحدود التركية. تعتبر إعادة فتح هذا الطريق السريع إلى جانب طريق إم – 4 السريع الذي كان يربط تركيا بدول الخليج الفارسي قبل الأزمة السورية، جزءاً من العملية التدريجية لانسحاب تركيا من سوريا، وتكمن فيه ميزة كبيرة للأردن كذلك”.
0 تعليق